في مدينتين عراقيتين، دفعَ الأهالي والمنتفضون ضد الديكتاتورية البعثية حياتهم ثمناً غالياً، بعدما أقدم النظام المباد في العراق على استخدام الأسلحة الكيميائية والغاز السام لإبادة أكثر عدد منهم.
فقد تعرّضت مدينة (حلبجة) في محافظة حلبجة بإقليم كردستان العراق، في العام (1988)، لقصف جوي، شنّه النظام السابق ضد الأهالي من القرويين.
أدّى القصف الجوي إلى مقتل أكثر من (5 آلاف شخص مدني)، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ونزوح آلاف آخرين من سكان المدينة نحو الأراضي الإيرانية؛ هرباً من الغازات السامة.
وحتّى هؤلاء الهاربين لم تنتهِ قصتهم مع المعاناة إلى هنا، فقد ضاع نحو (400 طفل) من عوائلهم بعدما فارق ذوهم الحياة، وعاشوا هناك في إيران ولم يُعرف مصيرهم إلا لعددٍ قليل منهم.
استخدم النظام السابق في العراق الأسلحة الكيميائية لإبادة الشعب الكردي في (حلبجة) التي لا يزال أهلها يأنون من تلك الأيام القاسية التي مرّت عليهم.
وقد جاء الهجوم في إطار حملة الأنفال في إقليم كردستان العراق، وخلص تحقيق طبي أجرته الأمم المتحدة إلى استخدام (غاز الخردل) في الهجوم إلى جانب مهيّجات عصبية أخرى مجهولة الهوية، أصابت فيما بعد من تعرّض لها لمرض (السرطان) وكذلك حصول حالات (التشوّه الولادي) للأطفال المولودين فيما بعد.
أما المدينة الثانية التي شهدت القصف ذاته، واستخدام (غاز الخردل) المحرّم دولياً من قبل النظام البعثي، فكانت مدينة كربلاء المقدسة، وذلك إبان الانتفاضة الشعبانية التي حدثت في حزيران من العام (1991).
انتفضَ أهالي المدينة المقدسة والمناطق المجاورة لها، بعد الخسارة الكبيرة التي مُني بها الجيش العراقي بعد خروجه خاسراً من حربه على الكويت، وبسبب هذا الوضع المأساوي والحصار الاقتصادي، كان لابد أن ينتفضَ العراقيون ضدَّ الديكتاتور الحاكم.
وبسبب هذه الانتفاضة وخروج الشباب لمقارعة الجيش الجرّار الذي استباح المدينة وعرّض الأهالي للقصف والموت، إلى جانب الاعتداء على مرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) بالمدفعية، واجه النظام البعثي ذلك باستخدام أسلحة الموت ضدّهم.
وبعد مرور سنين طويلة على هاتين الحادثتين المأساويتين، تظلّ (حلبجة وكربلاء) تذكّران العالم بفداحة جرائم الإبادة والمقابر الجماعية التي امتلأت بها أرض العراق من شماله إلى جنوبه.
ورغم إعدام منفّذ الهجوم على كربلاء (حسين كامل) من قبل النظام الدكتاتوري ذاته بعد محاولة الانقلاب عليه، وكذلك إعدام منفّذ الهجوم الدموي على حلبجة (علي حسن المجيد) بعد عام (2003)، تبقى هاتان المدينتان أيقونتين للنضال والمقاومة رغم ما فيهما من الحزن والآلام.