تحول نظرية التطور لداروين من فرضية علمية إلى فكرة دوغمائية هو موضوع شائك يعكس تعقيدات العلاقة بين العلم والإيديولوجيا.
لقد كانت النظرية في بدايتها مجرد اجتهاد علمي يسعى لتفسير تنوع الكائنات الحية على سطح الأرض، إلا أنها تحولت لاحقاً إلى معتقد صارم يُستشهد به كحقيقة ثابتة، مما فتح الباب أمام انتقادات واسعة، ليس فقط من قِبل معارضي النظرية، ولكن أيضاً من قبل العلماء الذين يدركون أن العلم بطبيعته يجب أن يبقى مفتوحاً للتساؤل والتعديل.
عندما طرح تشارلز داروين نظريته لأول مرة في كتابه أصل الأنواع عام 1859، كانت الفكرة مفاجئة وشجاعة.
داروين استند إلى ملاحظاته حول التغيرات الطفيفة في الأنواع عبر الزمن والتأقلم مع البيئة. وكان هذا تفسيرًا منطقيًا للنشوء والارتقاء، لكن داروين نفسه كان حذرًا في تقديم نظريته كحقيقة مطلقة، بل اعتبرها جزءاً من سلسلة طويلة من الفرضيات التي تحتاج إلى اختبارات مستمرة.
يقول داروين في رسالته إلى عالم النبات جوزيف دالتون هوكر: «لقد أصبحت مقتنعًا أن الانتقاء الطبيعي كان السبب الرئيسي، ولكن ليس الوحيد، لتنوع الأنواع». Darwin, Charles. Letter to Joseph Dalton Hooker, 1858.
ووفقاً للورين أيزلي: «يظهر الفحص الدقيق للطبعة الأخيرة من كتاب دارون (أصل الأنواع) أن هذا الكتاب أصبح متناقضاً نتيجة محاولة دارون مواجهة الاعتراضات التي أُطلقت على نظريته ضمن صفحات متفرقة .. حيث تُظهر الإصلاحات الأخيرة التي أُجريت على كتاب (أصل الأنواع) درجة الهشاشة البالغة التي وصلت اليها البنية النظرية لدارون، وأدى إفراطه في اللجوء الى الحلول الوسطى الى بعض التناقضات الصاعقة، لكن كتابه كان قد أصبح كتاباً نموذجياً، ومرت هذه الانحرافات في أغلب الأحيان دون أن تُلاحظ حتى من قبل أعداءه». Darwin,s Century, p242
في بدايات ظهور النظرية عند صدور كتاب (أصل الأنواع) واجهت النظرية اعتراضات جوهرية ومهمة اضطرت دارون نفسه للتراجع عن أهم أركان نظريته ـ وهذا ظاهر من كلام لورين إيزلي المتقدم ـ حتى غدت نظرية الانتخاب الطبيعي قريبة جداً من نظرية جان باتيست لامارك العالم الفرنسي السابق على دارون، والتي تعترف بوجود قوى غير مادية داخل البدن توجه عملية التطور. وهذا ما نجده واضحاً في الطبعة السادسة والأخيرة التي طُبعت في حياته، لذا تجد الداروينيين يعدون هذا التراجع غير مبرر وأن الوجه الصحيح للنظرية هو ما ذكره دارون بالطبعة الأولى.
ورغم ذلك، ارتقت النظرية من كونها مجرد فرضية علمية الى عقيدة لا تقبل المعارضة خلال عشرين عاماً أو أكثر بقليل فقط، الأمر الذي لم يحصل مع غيرها ـ حسب علمي ـ ولذلك أسباب لا علاقة لها بالعلم كما سنبين بعد قليل. ومن نماذج ذلك قول جوليان هكسلي في مؤتمر عام 1959: «إن أول ما نشير اليه حول (نظرية دارون) هو أنها لم تعد "نظرية" بعد الآن، وإنما "حقيقة". أصبحت الداروينية ناضجة تماماً لتتحدث عن نفسها، ولسنا بحاجة بعد الان لأن نزعج أنفسنا حول إثبات حقيقة التطور.». The Emergence of Darwinism, pp1-21
بل كان ريتشارد دوكنز أكثر تأكيداً حين قال: «يحوم حول النظرية شك يشبه ما يحوم من شك حيال دوران الأرض حول الشمس». الجين الأناني، ص1.
فمع مرور الزمن، تحولت النظرية إلى عقيدة دوغمائية، تُستخدم في تفسير جميع الظواهر البيولوجية. وقد انتقد علماء بارزون هذا التحول، مشيرين إلى أن النظرية تجاوزت حدودها الأصلية. على سبيل المثال، قال السير فريد هويل، عالم الفيزياء الفلكية البريطاني: «الاحتمال بأن الحياة قد نشأت بالصدفة يشبه تمامًا أن تقوم إعصار بالمرور على ساحة خردة ويقوم بتجميع طائرة بوينغ 747 من أجزائها» The Intelligent Universe, 1983.
هذه المقولة الشهيرة لهويل تلقي الضوء على الشعور المتنامي بأن هناك حدودًا لما يمكن أن تفسره نظرية التطور من خلال الصدفة البحتة والانتقاء الطبيعي.
لقد تحول النقاش من مجرد دراسة علمية للأنواع والتنوع البيولوجي إلى سجال فكري، حيث أصبحت النظرية عقيدة يُرفض من يعارضها كأنها دين، وهو ما يصفه عالمة الأحياء لين مارغوليس بقولها: «يجب ألا تُعامل نظرية التطور كأنها نص ديني لا يقبل الطعن» Interview with Discover Magazine, 2011.
فقد أشارت مارغوليس إلى أن بعض المدافعين عن النظرية لا يتقبلون أي تحدٍ لها، وهو ما يتنافى مع الروح العلمية التي تفترض الشك والتساؤل.
حتى في الأوساط الأكاديمية والعلمية، بدأت تبرز أصوات تعبر عن عدم الارتياح إزاء التوجه الدوغمائي الذي أحاط بالنظرية. عالم الكيمياء الحيوية مايكل بيهي، في كتابه صندوق داروين الأسود، يشير إلى أن هناك أنظمة معقدة في الكائنات الحية لا يمكن تفسيرها ببساطة من خلال مبدأ الانتقاء الطبيعي، مما يستدعي التفكير في فرضيات أخرى. وقد أضاف: «إن دفاع بعض العلماء الشرس عن التطور يجعل النظرية تبدو وكأنها عقيدة غير قابلة للنقد». Darwin's Black Box: The Biochemical Challenge to Evolution, 1996
ما يثير القلق في هذا التحول هو أن العلم الحقيقي يتطلب الشك والتحليل الدائم. النظرية العلمية، مهما كانت قوية، تبقى قابلة للتطوير أو حتى للإلغاء إذا ظهرت أدلة جديدة تنقضها. لكن حينما تتحول النظرية إلى دوغما، يفقد العلم مرونته. ولذلك، فإن تحويل نظرية داروين إلى فكرة دوغمائية يقوض أساسات العلم نفسها، التي تستند إلى البحث المستمر والتشكيك في المسلمات.
ولنفهم كيف آلت الأمور وتحول التطور من نظرية علمية الى عقيدة، فعلينا النظر خارج نطاق الحقائق العلمية ـ وأنا هنا لست بصدد بيان بطلان النظرية ـ فتاريخ العلم يشهد على أن قبول الأفكار الجديدة يعتمد عادة على تأثير عوامل غير علمية وإنما اجتماعية ونفسية وفلسفية، ولم تكن نظرية الانتخاب الطبيعي استثناءً عن ذلك. ويمكن ذكر أهم العوامل الاجتماعية التي أدت لهذا القبول الواسع بين أوساط العلماء وقتئذ:
العامل الأول: الاعتقاد السائد بمفهوم الاستمرارية والتدرج، وهذا الاعتقاد كان سائداً في المجتمع الفيكتوري للقرن التاسع عشر، ومتأصل فيه بعمق، فلا مجال للمفاجئات أو ما يسمى بالطفرات.
وقد علق كل من ستيفن جاي جولد، ونايلز إيدلدريدج على تأثر النظرية بهذا الاعتقاد السائد: «إن التفضيل العام الذي يوليه كثيرون منّا للـ"تدرجية" هو موقف ميتافيزيقي مترسخ في التاريخ الحديث للحضارات الغربية، فهي ليست ملاحظات تجريبية عالية المرتبة مستقرئة من الدراسة الموضوعية للطبيعة. وقد تعكس العبارة المشهورة المنسوبة الى لينيوس "لا تقوم الطبيعة بالقفزات" بعض المعرفة البيولوجية، لكنها تمثل ايضاً الترجمة الى بيلوجيا المرتبة والتناغم والاستمرار التي أمل الزعماء الأوربيون أن يُبقوا عليها في مجتمع قد هوجم بدعوات الى تغيير مجتمعي أساسي». Punctuated Equilibria: The Tempo and Mode of Evolution Recoonsidered, p145.
العامل الثاني: الذي مهد الطريق أما نظرية دارون هو الإيمان الفيكتوري بحتمية التقدم والترقي، أي ان التاريخ يسير بخط مستقيم من ناحية التطور والتكامل، فالحاضر أكثر تطوراً من الماضي والمستقبل أكثر من الحاضر، وهذه الفكرة الفلسفية ـ لا يمكن إقامة التجربة عليها ـ كانت هي السبب في تعميم نظرية التطور لتشمل حقول أخرى من العلم، كعلم الاجتماع والاقتصاد، ومنها استنتج هربرت سبنسر ان التنافس الاقتصادي الحر هو القوة المسيرة للتقدم الاجتماعي والاقتصادي.
العامل الثالث: والذي يُعد الأكثر تأثيراً والأهم من بين العوامل التي ساعدت على انتشار نظرية دارون هو أن النظرية هي المحاولة الحقيقية الأولى لسحب دراسة نشوء الحياة وتنوعها بشكل كامل من الحقل الديني الى الحقل العلمي.
ففي جانب الظواهر الكونية الفيزيائية، اسقطت كلمات بيكون وديكارت ونيوتن نظريات القرنين السابع عشر والثامن عشر المبنية على تبعية الظواهر الكونية لتدخلات خارقة للعادة، ووجود دور واسع للإله، واستبدلت بالمنهج العلمي الحديث، وكانت الفيزياء الحديثة ناجحة في ذلك تماماً، فأصبح يُنظر الى الإله على أنه سبب ناءٍ وبعيد، وعلى انه هندس كوناً منظماً استمر بالعمل تلقائياً منذ خلقه، دون أي حاجة لتدخل إلهي إضافي.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، تبين للجميع ان الظواهر الفيزيائية التي تحدث يومياً يمكن ردها وتفسيرها بسهولة بالأسباب الطبيعية، لذلك فإن ما فعله داروين في كتاب (أصل الأنواع) هو توسيع المنهج العلمي الى العلوم الحيوية عن طريق إعطاء تفسيرات طبيعية لتصميم الكائنات الحية.
وقد صرح كبار المدافعين عن دارون بتأثره بكتاب (مبادئ الجيولوجيا) للعالم لييل، والذي أرجع كافة التغييرات الجيلوجية للأسباب طبيعية من دون الحاجة لإرجاعها لأسباب ميتافيزيقية، يقول هكسلي في عام 1887: «قرأت مؤخراً ولمرة أخرى الطبعة الأولى لكتاب (مبادئ الجيولوجيا)، وعند الأخذ بنظر الاعتبار ان هذا الكتاب الهام، ولما يقارب الثلاثين عاماً، كان في متناول أي شخص، وأنه اقنع كل قارئ ذي درجة ذكاء عادية بمبدأ عظيم وحقيقة عظيمة، مبدأ ان الماضي لابد أن يُفسر بالحاضر، إلا أن ظهر سبب وجيه يخالف ذلك، والحقيقة أنه بحسب ما تتجه اليه معرفتنا عن التاريخ السابق للحياة على كرتنا الأرضية، فلن يتم إظهار مثل هذا السبب، فلا أستطيع إلا أن أؤمن بأن لييل كان بالنسبة للآخرين، كما هو بالنسبة لي، العامل الرئيسي في تمهيد الطريق أمام دارون. ذلك ان نظرية الوتيرة الواحدة المتسقة تفترض ان التطور في العالم العضوي ماثل للتطور في العالم اللاعضوي. وان تبين أن أصل نوع جديد من غير القوى الاعتيادية فإن ذلك سيكون "كارثة" أكبر بكثير من أي من الكوارث الأخرى التي استبعدها لييل بنجاح من الافتراض الجيولوجي الرصين». Science and Pseudoscience, P374.
وبصورة أوضح أكد البروفيسور تيندل في خطابه بمدينة بلفاست عام 1874: «ينسجم أساس معتقد التطور مع الفكر العلمي، ليس من حيث البرهان التجريبي ـ حيث من الصعب على هذا النهج من البراهين أن تصل الى هذا الموضوع ـ لكن من حيث تناغمه العام. نحن ندعي وسنقوم بانتزاع الميدان بالكامل للنظرية الكونية من اللاهوت، يجب على جميع المخططات والأنظمة التي خالفت ميدان العلم، والتي ما زالت تقوم بذلك، أن تخضع لسيطرته.. ولطالما أثبت التصرف بما يعاكس ذلك في الماضي أنه ذو عواقب، وهو اليوم ببساطة أمر أحمق». Presidential Address to British Association, p43
أيضاً وبطريقة مماثلة فقد ذكر رومانس عام 1882 في طليعة حجته المؤيدة للتطور: «لم يفكر أحد على الإطلاق في الالتجاء الى مذهب فوق طبيعي، باستثناء بعض الحالات القليلة نسبياً عندما لم يكن بإمكان العلم حينها أن يستكشف مناطق السببية الغامضة جداً. في حوزتنا الآن الكثير من هذه التشابهات التاريخية، حيث إن جميع العقول التي لديها غريزة علمية في تركيبها قد ترعرعت على أن تشكك في أي تفسيرات تتضمن عنصراً إعجازياً، بناء على مجرد افتراضات سابقة. والآن لابد أن يكون واضحاً لأي عقل قد تبنى هذا الموقف من التفكير، إن النظرية العلمية للنشوء الطبيعي مقدمة على غيرها بسبب أرجحيتها الكبيرة مقارنة بالافتراضات السابقة». Cited in Lovejoy, p376.
هذه هي الحقيقة.. عدم وجود البديل المقنع لنظرية التطور الداروينية جعلها تتقدم على غيرها، وأن الوسط العلمي كان يسعى لإيجاد تفسيرات مادية لكل الظواهر الطبيعية، رافضاً ما وراء ذلك.
بمرور السنين بعد الثورة الداروينية، وبالرسوخ التدريجي للتطور كعقيدة، فإن نظرية التطور الداروينية فرضت نفسها على كل جانب من جوانب علم الأحياء، وخمدت النقاشات وقلت الحاجة لتبريرها.
بل صار كل نقاش وجدل أكاديمي يميل لتعزيز مصداقية النظرية، ولهذه الظاهرة سبب بينه علماء اجتماع المعرفة، فقد ذكروا أننا نحافظ عموماً على آرائنا ومفاهيمنا عن الواقع، لذلك فإن معقولية أي نظرية أو رأي عن العالم تعتمد بشكل كبير على الدعم الاجتماعي الذي تتلقاه، أكثر من أن تعتمد على محتواها التجريبي أو تماسكها العقلاني.
لذا فقد كانت جميع الإثباتات المتعارف عليها لصحة النظرية الداروينية ذات تأثير حتمي لرفع وضعها الى درجة البديهة الحصينة، والتي لا يمكن أن تكون خاطئة.
من هنا نتفهم كلام هكسلي وريتشارد دوكنز في عد النظرية حقيقة مفروغ منها، وأنها في غنى عن الإثبات، بناء على أن ما يعتبره المجتمع العلمي حقيقي فهو حقيقي، وإن لم يتم إثباته تجريبياً وهي الوسيلة الوحيدة التي يعتمد عليها العلم.
ومما يدل على تحول النظرية الداروينية الى عقيدة هو العداء الذي وجهه الداروينيون لكل عالِمٍ لا يؤمن بها، مثل كلاميرير في عشرينيات القرن الماضي، وحديثاً عالم الوراثة الأسترالي ستيل، واللذان أيدا النظرية اللاماركينية التي تقدم ذكرها، والتي تؤمن بوجود قوى غير مادية توجه التطور في الكائنات الحية.
كذلك العداء الموجه لعالِم الوراثة غولد شميدت، وعالم الأحافير شيندولف، لرفضهم نظرية الانتخاب الطبيعي واعتباره الوسيلة الوحيدة للتطور الكبير. فهذه الخصومة والعداء مفهومان جداً بحسب علم اجتماع المعرفة، فبما ان المجتمع البيولوجي يعتبر النظرية الداروينية مبرهنة ولا مجال للشك فيها، فحينئذ تصبح المخالفة غير عقلانية ومزعجة، خصوصاً إن ادعى المعارضون بأنهم يقدمون نقداً عقلانياً.
عندما تصبح نظرية ما متحجرة في قالب عقيدة ميتافيزيقية فإنها تمسك بقوة تعليلية هائلة في مجتمع المؤمنين بها، كما يبين ذلك بول فايراباند: «اخترقت الأدوات الفكرية للنظرية والمشاعر المرتبطة بتطبيقها جميع وسائل التواصل، وجميع الأفعال وبالتأكيد حياة المجتمع بأكملها، وإن طرقاً مثل الاستنتاج الغيبي وتحليل الاستعمال، والتحليل الظواهري، والتي هي وسائل لتعزيز الخرافة، سوف تكون ناجحة الى حد كبير. كما سيتم التكلم عن نتائج المشاهدة والرصد أيضاً لصالح النظرية كما لو أنها صيغت لتوافقها. سوف يبدو أنه وفي النهاية قد تم الوصول الى الحقيقة». Problems of Empiricism, p176
كما تابع قائلاً: «الثبات المحقق، مظهر الحقيقة المطلقة، ليس إلا نتيجة إذعان مطلق، فكيف يمكن لنا أن نختبر أو ندخل تحسينات على حقيقة نظرية، إن كانت بُنيت بأسلوبٍ يمكن به وصف أي حدث يمكن تصوره، وتفسيره انطلاقاً من مبادئ هذه النظرية؟ (هذا ما يسمى منطقياً: المصادرة على المطلوب). إن الطريقة الوحيدة للتباحث في مثل هذه المبادئ الشاملة هي أن نقارنها بمجموعة مختلفة من مبادئ شاكلة، لكن هذه الطرقة قد أستُبعدت منذ البداية، ولذلك فإن الخرافة ليست شأناً موضوعياً، بل تستمر بالوجود نتيجة جهود مجتمع المؤمنين بها وزعمائهم فحسب، وهؤلاء الآن هم قساوسة او ظافرون بجائزة نوبل، فنجاحها مصطنع بالمعنى الحرفي للكلمة».
ما نؤكد عليه في الخاتمة، إننا لسنا بصدد بيان بطلان نظرية دارون مطلقاً، وإنما نقصد التأكيد على أن مهمة النظريات العلمية شرح وتفسير الظواهر الطبيعية، ومتى ما تداخل العلم والآيدلوجيات المسبقة تحولت هذه النظريات الى عقائد دينية بالمعنى الحرفي، الأمر الذي يجر عليها آفة ترك النقد والتحسين، مما ينعكس سلباً على مجمل الحركة العلمية. فكما اتضح ابتناء النظرية على مجموعة أفكار فلسفية قابلة للنقاش، بل بعضها ثبت بطلانه قطعاً، كان المجتمع العلمي يؤمن بها.
يقول د. مايكل دنتون: «لا استطيع أن أتذكر فرضية واحدة تشكلت لأول مرة ثم لم يُتَخلى عنها بعد فترة من الزمن أو لم تُعدل تعديلاً كبيراً». التطور نظرية في أزمة ص 87.