اختلف المؤرخون في عدد أصحاب الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء على عدة أقوال، المشهور منها بين المؤرخين انهم اثنان وسبعون. وهي رواية ابي مخنف التي نقلها الطبري واختارها الشيخ المفيد في (الارشاد) والطبرسي في (إعلام الورى) وابن الأثير في (الكامل) والقرماني في (أخبار الدول) وغيرهم كثير فهذه هي الرواية المشهورة. وقد رواها ابو مخنف عن شاهد عيان كان متواجدا في صفوف أصحاب الامام الحسين عليه السلام وهو الضحاك بن عبد الله المشرقي(1).
ثم تتراوح آراء غير المشهور والتي يمكن وضعها في دائرة احتمال الصحة بن عدة أعداد الأدنى منها 61 والأعلى 145 ويمكن حصرها(2) بالآتي:
1- أن عددهم كان 60 أو 61 حكى الأول الدميري في (حياة الحيوان) وهو متأخر جدا (عاش في القرن الثامن) ولم يذكر مصدره فلا يُعتد بقوله. فضلا عن أن هذا الرأي مخالف لما سيأتي من أن أقل رأي في الرؤوس الطاهرة التي حملت على الرماح انها كانت اثنين وسبعين رأسا . وحكى المسعودي في (اثبات الوصية) الثاني وهو من تفرداته فضلا عن أنه خالفه في كتابه الآخر مروج الذهب كما سيأتي .
2- أن عددهم 78 أو 82 أو 87 إذ روى الأول الطبري عن زحر بن قيس، وذكر الثاني ابن شهر آشوب في (مناقب أل ابي طالب) وأما الثالث فذكره المسعودي في مروج الذهب (3 /61) وابن العنبري في (تاريخ مختصر الدول) أمّا ابن شهر آشوب وابن العنبري فكلاهما من المتأخرين إذ عاش الأول في القرن السادس والثاني في السابع فلا تقوى منقولاتهما المرسلة على معارضة مشهور المؤرخين المتقدمين عليهما وأما المسعودي فلم يبين مصدره وسيأتي عنه ما يناقض ذلك. ولا يبعد أن يكون هذا الرأي على ترديده بين الأعداد الثلاثة هو الرأي الثالث الآتي نفسه مع حذف الموالي والصبية كما يأتي.
3- أن عددهم كان 100 يزيدون او ينقصون قليلا رواه الطبري عن أحد شهود العيان وهو سعد بن عبيدة - وكان من جيش عمر بن سعد - قال: "وإنّي لأنظر إليهم وانهم لقريب من مائة رجل فيهم لصلب عليّ بن أبي طالب عليه السّلام خمسة ومن بني هاشم ستة عشر" (تاريخ الطبري: 14/ 295) .
ومما يقوي هذا الرأي أن أقدم مصدر وصلنا وفيه توثيق لعدد وأسماء من استشهد أو قاتل مع الامام الحسين عليه السلام هو كتاب (تسمية من قُتل مع الحسين) من تأليف الفُضَيل بن الزبير الكوفي الأسدي عاصر الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وروى عنهما وشارك في ثورة الشهيد زيد ولم يستشهد .
والفضيل أحصى في كتابه هذا غير الامام الحسين عليه السلام 106 شهيدا يتألفون من 19 هاشميا و الباقي من غير الهواشم ولكن يُلاحظ أنه أحصى ضمنهم هانئ بن عروة وسفراء الإمام الأربعة: مسلم بن عقيل وقيس بن المسهّر وعبد الله بن يقطر وسليمان بن رزين الذي ضبطه المصنف بأنه (بن ربيعة) وأكاد اقطع انه من خطأ النساخ إذ ليس في أصحاب الإمام من اسمه سليمان غير سفيره الى البصرة وهو ابن (رزين) وهؤلاء الخمسة الأطايب وإن كانوا قد استشهدوا في سبيل ثورة الامام الحسين عليه السلام ولكن ليس في كربلاء فإذا طرحناهم من العدد المذكور يكون المتبقي 101، وإذا أخرجنا الطفل الرضيع أيضا باعتباره لم يكن في عداد الجيش وانما كان ضحية لطغيان جيش السلطة تكون النتيجة 100 مناصر، بين هاشمي وعاميٍ.
وهذا النص وإن كان يختلف اختلافا يسيرا مع ما ذكره سعد بن عبيدة في عدد الهواشم هو يتفق معه في العدد العام لانصار الامام وانه حوالي مائة شخص، ولا يضر فيه الاختلاف في خصوص عدد الهواشم لأن رواية بن عبيدة مبنية على التقدير وليس الاحصاء .
4- جاء في رواية عمار الدهني للمقتل عن الامام الباقر عليه السلام أن عدد أصحاب الامام الذين كانوا معه يوم نزوله كربلاء 145 رجلاً ورواية عمار للمقتل وإن كانت عن الامام الباقر عليه السلام لكنها مروية في مصادر العامة وبطرقهم ولا ذكر لها في مصادرنا وأقدم مصدر لها هو تاريخ الطبري وهذا المقدار لا يسلب قيمتها التاريخية كما لا يخفى ولكن هذه الرواية عموما لا يمكن الاطمئنان بصدورها من جهة تضمنها نصوص كثيرة فيها تشويه للاحداث انفردت بها وقد يكون ذلك من تلاعب الرواة الذين رووها عن عمار إذ في سندها زكريا ابن يحيى الضرير وخالد بن يزيد القسري وكلاهما من ابناء العامة الذين طعن في صدقهم ووثاقتهم علماء العامة نفسهم .
وهناك قول خامس ذكره المسعودي في (مروج الذهب) (3/60) ان عدد من كان مع الامام الحسين عليه السلام هو نحو 600 شخص ولكن هذا الرأي لا يُعتد به اطلاقا من جهة تفرد المسعودي به من دون ذكر مصدره فلا يقوى على معارضة ما نقله شهود العيان كما سبق في الآراء المتقدمة، هذا أولا وأما ثانيا فهو لا ينسجم ابدا مع جميع تفاصيل واقعة كربلاء تقريبا، فمثلا لا ينسجم مع عدد الرؤوس الشريفة التي حُملت الى الكوفة حيث كانت تتراوح ما بين 72 الى 87 على اختلاف الآراء، وأيضا لا تنسجم مع عدد اسماء الشهداء التي نقلها لنا التاريخ كما سيأتي .
ومن كل ما سبق يتضح أن ما يمكن الاطمئنان له من هذه الآراء هو الرأيين الأول والثالث وكلاهما منقول عن شهود عيان حضروا في كربلاء يوم العاشر، أما الرأي الأول (أن عددهم 72 شخصا) فإنما يقوى ويصعب التفصي منه بسبب شهرته الكبيرة بين المؤرخين سنة وشيعة، وأما الرأي الثالث (ان عددهم حوالي 100 شخصٍ) فمن أسباب قوته انه بالاضافة الى نقله عن شاهد عيان قد ورد أيضا في أقدم وثيقة تاريخية وصلتنا فيها جرْدٌ لعِدة وأسماء شهداء يوم عاشوراء والحق أن هذا الرأي هو الراجح والوجهُ في رجحانه قدرته على الانسجام مع سائر تفاصيل واقعة كربلاء خلافا للرأي الأول ومن مظاهر هذا الانسجام:
1- انسجامه مع روايات الرؤوس الشريفة التي قُطعت وأرسلت الى الشام فقد ذكر الطبري في تاريخه والشيخ المفيد في الارشاد والدينوري في الأخبار الطوال وغيرهم أن عدد الرؤوس الشريفة غير رأس الامام الحسين كان 72 رأسا فإذا علمنا أن بعض من حضر الواقعة لم يُقطع رأسه كالحر بن يزيد الرياحي وبضعة نفر ممن قاتلوا مع الامام ولم يستشهدوا كالحسن بن الامام الحسن عليه السلام والضحاك المشرقي وغيرهما يكون بموجب هذا ان أصحاب الامام يوم عاشوراء أكثر من 72.
وروى البلاذري في أنساب الأشراف أن عدد الرؤوس التي حُملت الى الكوفة كان 82 بينما روى السيد ابن طاووس وغيره انها سبعة وثمانون وهكذا نرى ان روايات قطع الرؤوس الشريفة بأجمعها لا تنسجم مع الرأي القائل ان عدد الأصحاب 72 فقط بينما تنسجم مع الرواية القائلة أن عددهم حوالي 100 ببيان أن الأعداد المذكورة في الروايات يضاف لها مَن لم تقطع رؤوسهم ومن قاتل ولم يستشهد فنكون قد اقتربنا من العدد 100 ولا سيما إذا قلنا بأنهم لم يقطعوا رؤوس الموالي الذين استشهدوا مع الامام عليه السلام وكان عددهم في حدود 15 شخصا لأنهم انما يقطعون الرؤوس للتفاخر بها بين القبائل وهذا لا يتحقق بقطع رؤوس الموالي.
2- تنسجم رواية المائة مع قائمة اسماء شهداء الطف التي وثقها كثير من المؤرخين وممن تصدى للتحقيق فيها من العلماء وانتهى الى جمع حوالي مائة اسم من اسماء الشهداء العلامة السيد محسن الأمين رحمه الله في كتاب (الأعيان) والمحقق الشيخ محمد طاهر السماوي رحمه الله في كتاب (إبصار العين) والحجة الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله في كتاب (أنصار الحسين عليه السلام) .
وهكذا فإن رواية المائة هي الأقدر على تفسير سائر تفاصيل واقعة الطف والأكثر انسجاما مع سائر الروايات وتحفها قرائن كثيرة توجب الاطمئنان لها بل يمكنني القول انها تنسجم حتى مع الرواية المشهورة من ان عددهم رضوان الله عليهم 72 شخصا إذ يمكن الجمع بينهما وذلك من جهة أن من تبنى هذا العدد من المؤرخين ارتكز على أحد أمرين إما رواية الضحاك المشرقي السابقة كما هي الحال مع الطبري وآخرين او الروايات التي تنص على ان عدد الرؤوس الشريفة التي حُملت الى الكوفة كان 72 كما يبدو من عبارة الشيخ المفيد، أما الأول منهما فإن رواية الضحاك صريحة في أنه يتكلم عمّن استعدوا للقتال عند صلاة الفجر من يوم عاشوراء وهذا يعني أنه لم يحتسب الحر الرياحي وولده رضوان الله عليهما لأنهما التحقا بالامام عليه السلام في نهار عاشوراء ويبدو انه لم يحتسب الصبية الثلاثة الذين لم يبلغوا الحلم أعني عبد الله والقاسم ولدا الامام الحسن عليه السلام بالاضافة الى عمرو بن جنادة الانصاري فنظرا الى صغر أعمارهم التي تتراوح بين الحادية عشر والثالثة عشر من المستبعد جدا ان الضحاك عدهم في عداد الجيش عند فجر عاشوراء قبل ان يبرزوا للقتال كما يمكن القول انه لم يعد الموالي الذين هم حوالي 15 شخصا وبهذا نكون قد اقتربنا من المائة وهناك وجه آخر للجمع بينهما بأن نأخذ برواية التحاق 30 شخصا بالامام من جيش عمر في يوم العاشر والتي ذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد وغيره من المتأخرين على أن الأخذ بهذه الروايه يحتاج الى تتبع وتفصيل لا يسعه هذا المقال .
وأما على الارتكاز الثاني من كون الرأي القائل بان عدد الأصحاب 72 يرتكز على روايات عدد الرؤوس فيُجمع بينه وبين رواية المائة بأن يقال انه ليس كل من قاتل مع الإمام قُطع رأسه وقد سبق التعرض لذلك .
وكيف كان فإن رواية المائة هي الراجحة سواء تمكنا من الجمع بينها وبين رواية الـ 72 وفق ما تقدم او لم نتمكن .
بقي ان بعضهم يحاول تمتين كثرة أصحاب الامام بالقول بعدم معقولية تخلي شيعته عنه سواء شيعة الكوفة او البصرة او اليمن وهذا في الواقع استبعاد ليس له منشأ تاريخي بل لا يتماشى مع مجريات التاريخ والخوض في تفاصيله وأدلتها لا يحتمله هذا المقال ولكن إجمالا أقول: كانت الكوفة مغلقة بالكامل لا يمكن لأحد دخولها كما لا يمكن الخروج منها منذ أواخر شهر ذي الحجة وقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين فكانت معزولة عن الخارج بالكامل لا دراية لأهلها بما يجري فعلا .. وأما البصرة فقد جرى فيها سيناريو مختلف إذ غدر المنذر بسفير الامام مما أدى الى تأخرهم في الخروج وبعد تلافي المشكلة والخروج وصلهم نبأ شهادة الامام .. وأما اليمن فكانت معلوماتهم تقتصر على ظرف وجود الامام في مكة المكرمة حيث عرفوا ان أهل العراق قد مهدوا الطريق للامام وأما بعد خروجه من مكة فمن الصعب جدا ان يحيطوا بتقلبات الأحداث التي تسارعت في غضون أيام لبُعد ديارهم فضلا عن وسائل التواصل البدائية .
هذا ما تيسر تتبعه والله العالم .
الهوامش:
(1) التقى الضحاك بالامام الحسين عليه السلام وهو في الطريق الى الكوفة فطلب من الامام ان يأذن له بمرافقته والقتال معه ما رأى في القتال نفعا ودفعا للشر عن الامام أما إذا بانت أمارات الشهادة وعدم نفع القتال فهو في حل من أمره لأن عليه دينا ثقيلا يريد الرجوع لتسديده وقد قَبِل الامام منه ذلك وفعلا قاتل يوم عاشوراء ودافع عن الامام ببسالة حتى إذا لم يبق من أصحاب الامام الا نفر يسير استأذن من الامام وغادر الميدان التزاما بشرطه، ومن ثم روى حادثة عاشوراء وتمتاز رواياته بشيء من الدقة .
(2) هذه الآراء في الغالب مبنية على التقدير من خلال الرؤية البصرية لمن كان متواجدا في ساحة المعركة وليس على الاحصاء الدقيق لذا لا يضر بها ان يزيد العدد او ينقص قليلا ومن هذا المنطلق جمعت الآراء المتقاربة على انها رأي واحد.