يحدثنا التاريخ بالذي حصل بعد وفاة أبينا آدم عليه السلام، يقول: كان الشر قد غلب ولده الشرير قابيل وذريته على ولده الصالح وذريته، وطردوهم إلى جزيرة من جزر البحر. يحدثنا التاريخ ما الذي حدث بعد وفاة النبي نوح، ويقول: غلب الأشرار على أتباعه المؤمنين وجحدوا الله سبحانه ورسوله، وأعادوا عبادة الأصنام. ومن أسماء أصنامهم: ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، بنفس أسمائها ومراسيمها قبل الطوفان...
يحدثنا التاريخ ما الذي حدث بعد وفاة النبي إبراهيم (ع)، ويقول إن الأنبياء والصالحين من أولادهم لم يحكموا إلا فترات قليلة، فقد تغلب الأشرار من أبناء إسحاق، وقتلوا الأنبياء والمؤمنين والصالحين وشردوهم.
وما الذي حدث بعد وفاة النبي موسى (ع)؟
يقول التاريخ: لم تكن هناك طاعة من اليهود وخصوصاً وصية يوشع بن نون إلا قليلاً، عندما كانوا في صحراء التيه. ولما دخلوا فلسطين انقلبوا عليه، وساعدتهم في ذلك زوجته الصفوراء بنت شعيب وغلب الفجار منهم على أوصياء موسى الشرعيين وأسسوا دولة القضاء، تتداولها قبائل بني إسرائيل إلى الآن...
وماذا حدث بعد وفاة سليمان (ع)؟
يقول التاريخ: انقلب أصحابه وشرار أبنائه على وصيه الشرعي آصف بن برخيا وشيعته فعزلوهم، واستدعوا رحبعام عدو سليمان المنفي إلى مصر ثم اختلفوا بينهم، فتفككت الدولة وضاع أكثرها، وبقي للمختلفين إمارة القدس، وإمارة الخليل، فملكوا عليهم ابناً لسليمان غير وصي، وملكوا عليهم عدو سليمان الذي نفاه...
ما الذي حدث بعد أن رفع الله عيسى عليه السلام؟
يقول التاريخ: تواصلت مطاردة الرومان واليهود لوصيه شمعون الصفا وبقية الحواريين، منهم من ألقوا القبض عليهم وقتلوهم وشردوهم، واضطهدوهم، حتى جاء بولس بعد ثلاثين ونيف من السنين، وادعى أن عيسى ظهر له في السماء، في حوران فكثر أتباعه، ثم تبنت الدولة الرومانية مسيحية بولس وواصلت اضطهادهم وقتلهم وتشريدهم حتى انقرضوا...
ما الذي حدث بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
يقول التاريخ: اختلف أصحابه، وأصبحت الفتن بينهم كقطع الجراد المنتشر، لم يرعوا إلاً ولا ذمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عترته، وأصبحت الخلافات تمزق جسد الإسلام. فقد نشروا أن محمداً لم يوصِ لأحد وبقيت الخلافة تدور رحاها في قريش، وخلافته ليست لأهل بيته، بل هي لقبائل قريش فهو منها وهي منه، ولم يعلموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال: "أنا من قريش وقريش ليست مني"، فبايعوا من لم يوصِ به النبي (ص).
وانقلب حال الإسلام إلى ما لا يُحمد عقباه، فقد سلكوا طريقاً قد نهاهم النبي (ص) عنه، ولم يراعوا بذلك منهجه، ولم يعلموا أن العاقبة ستكون وبالاً على الأمة. وهكذا سار التاريخ بأكثرية حاكمة وأغلبية معارضة محكومة، وها هو اليوم التاريخ الإسلامي الحديث يشهد ولادة جديدة لحركة ناشئة قد خرجت من رحم المعاناة، من رحم الفوضى والتمزق، بعد إرهاصات العقود الأربعة التي أذهبت الأخضر واليابس، من قتل وتهجير وتدمير لذات الإنسان، حتى أن التفكير في الصلاح والإصلاح قد يُحكم عليه المرء، وقد تقوده أفكاره إلى حبل المشانق ومقصلة الإعدام.
وبعد زوال الطاغية المقبور صنم البعث وكبيرهم الذي علمهم السحر، وانجلت صفحة مظلمة من صفحات التاريخ الحديث، قد منّ الله سبحانه على هذا البلد بنعم كثيرة، أهمها إطلاق عنان الفكر وتوظيفه فيما يتقارب مع مصلحة الفرد ومعتقده، الجنبة الاقتصادية للأسرة وما كانت تعانيه سابقاً وما تحمل الآن من سعة في الرزق وخلاص الإنسان من صومعة الفقر القاتل. تحول الحال من حال إلى حال، وزادت التوازنات السياسية وانتهت حقبة المحكومة المستضعفة إلى فئة الحاكمة المتشعبة، والتي أسهمت بشكل أو بآخر بإشراك الآخرين بصنع القرار، وأخذت على عاتقها أن تسير الأمور إلى معالم الطريق الصحيح.
فخرجت (همم) من هذا المسار الصحيح بعد أن رأت بقيادتها تصحيح المسار الذي وقع به أغلبهم من صناع القرار، وسارت باتجاه البناء وإعادة الهيكلية الفكرية الجديدة، بطرق قد تشغل بها الشارع المعاصر الآن، وتعد من الحركات الناشئة التي ينتظرها المستقبل القريب. وقد تبرهن هذه الحركة الإسلامية المعاصرة أن بناء الدولة سيكون على عاتقها، وقد تحل محل السياسات القديمة، وإخراجها بأطر حديثة تماشي الذوق العام، على الرغم من نشأتها الأولى وبوادرها التي تلوح بالآفاق. ولها قرارها الخاص وبرنامجها ومنهجها الثابت، مؤلفة من شباب قد آمنوا بربهم وزادهم هدى وثباتاً، يسعون في مناكبها وعلى الله توكلوا.
وختاماً أقولها وبكل ود، يسمعها مني الجميع:
فلا مُلك يدوم ولا سلطان يبقى والكل زائل والبقاء لله سبحانه، ولأصحاب المواقف والكلمة الطيبة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.