الجمعة 9 رَجب 1446 هـ 10 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
سلسلة معارج الإيمان.. قصة خلق الكون
الشيخ مقداد الربيعي
2024 / 06 / 12
0

هل راودتك التساؤلات يوماً حول كيفية تفسير علماء الفيزياء لمنشأ الكون؟ لزمن طويل، ساد اعتقاد بأن الكون ليس له بداية، بل ظَلَّ مترامي الأطراف منذ الأزل. ولكن حدث تحوّل مدهش؛ فقد انقلبت التصورات رأساً على عقب عندما كشفت الاكتشافات العلمية أن كوننا لم يكن أزلياً على الدوام، بل كانت له لحظة انبثاق منذ حوالي 13.8 مليار عام. هيّا بنا نتأمل في تفاصيل تلك القصة المذهلة...

منذ أن تم اختراع المقراب (التلسكوب)، أخذ البشر يتأملون غياهب سماء الليل، بحثاً عمّا كان خفياً عن الأنظار من عجائب الكون، ومع كل قفزة تطويرية للمقاريب، كنا نغوص أعمق فأعمق في أرجاء هذا الفضاء الفسيح، وكلما تراءت أبصارنا بعيداً، وجدنا المشهد متناغماً إلى حد كبير؛ نجوم تتلألأ وسحب كونية تسبح في الأثير، بدا الكون لامتناهياً في اتساعه، وعصياً على التحديد زمنياً، أضحت تلك النظرة الفلسفية قناعة راسخة لدى العديد من العلماء، ومع بزوغ فجر القرن العشرين، أصبحت تمثل الإجماع السائد في الأوساط الفلكية.

في عام 1923، كان إدوين هابل منهمكاً في مهمته الاعتيادية بمراقبة السدم (nebulae) – تلك الأجرام الغائمة التي تلوح كسحب شفيفة في مراصد جبل ويلسون في كاليفورنيا. وباستخدام أكبر تلسكوب في العالم حينها، انكشف لهابل سرّ مهيب؛ فبعض هذه التشكيلات الفضائية لم تكن سوى مجرات أخرى سحيقة، وبذاك الاكتشاف، تأكد أن مجرتنا درب التبانة ما هي الا مجرة واحدة ضمن فيض لا ينتهي من المجرات الكونية وليست سيدة الكون بأسره.

وكأن عظمة الاكتشاف لم تكن كافية، فقد لاحظ هابل، بعد بضع سنوات، شيئاً غريباً يكتنف الضوء الآتي من تلك المجرات البعيدة؛ فكلما زادت المسافة بيننا وبين المجرة، كلما بدا لون ضوئها ينزاح أكثر وأكثر نحو الأحمر. أخبره هذا الانزياح المثير أن هذه المجرات كانت تبتعد عنا، بل وتبتعد بسرعة مذهلة تتناسب مع بعدها. بدا الكون بأكمله في حالة تمدد هائل، وهذا ما كان يحدث بالفعل.

وإذا كان الكون يتمدد بمرور الوقت، كما أدرك هابل، فإن إعادة شريط الكون إلى الوراء تكشف عن انكماش متواصل؛ الكون وكل طاقته ومادته تتقلص أكثر فأكثر، حتى تنطوي على نفسها في نقطة بالغة الضآلة، لدرجة يفنى عندها الزمن كما نعرفه، في تلك النقطة الدقيقة التي يسميها الفيزيائيون "التفرد" (singularity).

تخيل الآن أننا أوقفنا إرجاع الشريط، ثم شرعنا في تشغيله للأمام مرة أخرى. في البداية، لن تلمح أعيننا شيئاً سوى ظلام دامس. ثم فجأة، في ومضة كونية جبارة، تنبثق من تلك النقطة متناهية الصغر شلالات من الضوء، وتبدأ المادة والطاقة بالتدفق إلى الخارج، في رحلة تمدد وتوسع لا تنتهي، إلى أن يتشكل الكون في الهيئة التي ندركها اليوم. هذه القفزة الضوئية الهائلة، هذه البذرة التي تفتقت لتولد كل موجود، أصبحت تُعرف باسم الانفجار العظيم.

كان جورج لومتر، الكاهن البلجيكي الكاثوليكي والعالم الفيزيائي، أول من صاغ نظرية تشبه ما يُعرف اليوم بنموذج الانفجار العظيم، تشير هذه النظرية إلى أن للكون لحظة ميلاد محددة، كتب لومتر معبراً عن رؤيته: «يمكن تشبيه تطور العالم بعرض ألعاب نارية انتهى لتوه؛ بقايا شرارات حمراء، رماد متناثر، ودخان يتصاعد... بينما نقف على رماد الكون الذي برد، نشهد النجوم وهي تخبو في بطء شديد، ونحاول استحضار ذلك التألق العظيم الذي شهدته لحظة تكوّن العالم» quoted in George Gamow, The Creation of the Universe,p. 51.

لكن تصور أن الكون كان له نقطة بداية لم يستسغه الكثيرون في ذلك الوقت، حتى أن غثياناً فكرياً قد أصاب البعض، فقد صرح عالم الفلك والفيزياء الإنجليزي الشهير آرثر إدينجتون قائلاً: «إن فكرة وجود بداية للنظام الطبيعي الحالي مقززة فلسفياً».“The End of the World: From the Standpoint of Mathematical Physics

 لاحظ أن إدينجتون لم يزعم فساد العلم أو دناءة الاكتشافات العلمية الجديدة، بل كان تعكره نابعاً من التداعيات الفلسفية لهذا الاكتشاف الجذري.

وفي مفارقة تاريخية، كان أحد معارضي النظرية، السير فريد هويل، هو من منح لنظرية لومتر اسمها الذي اشتهرت به، فقد أشار إليها بسخرية باسم "فكرة الانفجار العظيم" خلال بث إذاعي. 

على مر السنين، تم اقتراح العديد من النظريات للتخلص من فكرة "البداية المحددة" للكون، وتواصلت حرب النظريات الضارية إلى أن بزغ فجر الستينيات، فكان أن كشف اكتشافٌ مذهل عن المنتصر المطلق، فلم ينجو في ميدان العلم سوى نظرية واحدة "نظرية الانفجار العظيم". 

ماذا حصل عند الزمن صفر؟

في 20 مايو 1964، بمختبرات بِل في مدينة هولمدل بولاية نيوجيرسي، انكشف لروبرت ويلسون وآرنو بينزياس سرٌّ كوني عميق؛ فقد التقطت أجهزتهما همهمات متواصلة آتية من أرجاء الكون، تتخذ شكل تشويش ثابت غامض، بذل العالمان جهداً دؤوباً لإزالة كل مصدر محتمل لهذا التشويش، وصولاً إلى تنظيف فضلات الحمام التي لوثت هوائي الاستقبال، لكن تلك الهمهمات الآسرة ظلت تدوي، رافضة أن تصمت.

لم يكن بنزياس وولسن يعرفان شيئاً عن وجود أي سبب كوني لهذه الإشعاعات، لذلك استفسرا من خبراء الفيزياء الفلكية هنا وهناك، فدلوهما على البروفيسور روبرت دِكي من جامعة برنستون حيث كان يقوم مع مجموعة من الباحثين بتحري وجود ما يسمى بـ "الخلفية المايكروية الكونية"، التي تنبأ بها الفيزيائي جورج جاموف بناء على نظرية الانفجار العظيم، وهي موجات كهرومغناطيسية، او قل فوتونات خضعت للتبريد الكوني الناتج عن تمدد الكون. 

 وبعد تواصل بنزياس وولسن بدِكي، نزل الخبر عليه نزول الصاعقة، فمنذ سنين طويلة يحاول هو وفريقه بناء جهاز قادر على رصد هذه الأشعة، في حين أن هؤلاء (بنزياس وولسن)، اكتشفاها صدفة، وقد حصلا بعد ذلك على جائزة نوبل، بينما بقي دِكي وفريقه يضرسون الحصرم. 

أعطى اكتشاف بنزياس وولسن زخماً كبيراً لنظرية الانفجار العظيم، إذ جاء الاكتشاف بمثابة تحقيق ما تنبأت به النظرية، فتوافقت النظرية مع التطبيق، وقد دفع هذا العلماء لمزيد عناية واهتمام بالنظرية، وبحث العلماء في هذا السؤال المهم: إذا كانت الجسيمات الأولية كالبروتونات والنيوترونات والالكترونات قد ولدت في زمان مبكر يصل الى حدود جزء من عشرة آلاف جزء من الثانية الأولى لخلق الكون، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف ولدت هذه الجسيمات بالأصل؟ وكيف تحول العدم المحض الى طاقة ومادة؟ وهنا يأتي دور نظرية كازيمير.

نظرية كازيمير

تتلخص هذه النظرية: بتولد قوة تجاذب بين لوحين إذا وضعا متوازيين في فضاء فارغ مطلقاً، وخالٍ من أي وجود للمادة والطاقة، وقد تم اختبار هذه الظاهرة في مختبرات شركة بل، وتم التحقق من تولد قوة الجذب المذكورة، وقد فسر كازيمير هذه الظاهرة، بأنها ناتجة عن قطع أنماط التردد لموجات الجسيمات المجازية التي يمكن أن تتولد لحظياً في الفراغ، حيث يتسبب اللوحان بقطع هذه الأمواج وحصرها في المسافة الصغيرة الموجودة بين اللوحين، مما يؤدي الى انعكاس هذه الترددات جيئة وذهاباً بين اللوحين، فتنشأ قوة التجاذب.

ويمكن القول أن الكون قبل أن يوجد كان مليئاً بموجات منخفضة التردد، عبروا عنها بالمجازية، لأنها توجد وتعدم بزمان أقل من زمن بلانك (أصغر زمن يمكن قياسه)، والفيزيائيون يعبرون عن كل جسيم يوجد ويُعدم بزمان أقل من زمن بلانك بأنه معدوم، ومن هنا نلتفت أن هناك فرقاً كبيراً بين ما نعتبره عدماً وما يعتبره الفيزيائيون عدماً، فالعدم عندنا هو اللاشيء، وهو ما ليس له حظ من الوجود، بينما العدم في الفيزياء أعم، فيشمل الجسيمات التي يكون زمان تواجدها أقل من زمن بلانك، فيمكن أن نتصور العدم السابق على وجود الكون بحراً هائلاً من الجسيمات (الترددات) التي تظهر وتختفي في زمن قصير جداً يقل مقداره عن ثابت بلانك مقسوماً على مقدار طاقتها، ولكي يتضح ما نقصده نقول، يمكن أن نتصور وجود الكترون في العدم لكنه ينبغي أن يتواجد فقط لزمن يقل عن 10 أس سالب 21 ثانية أي جزء من مليار ترليون جزء من الثانية، وما كان دون ذلك فلا يعتبر موجوداً فيزيائياً.

فالعدم السابق على وجود الكون كان محتوياً على الجسيمات المجازية، والتي توجد فقط لأزمنة قصيرة جداً، فإذا حصل قطع هندسي بواسطة سطوح موصلة سيقيم حاجزاً في الفراغ يمنع هذه الموجات من الحركة الحرة ويقيدها فيحولها الى طاقة سالبة متولدة من العدم، تسمى طاقة كازيمير او طاقة الفراغ.


هذه الطاقة تركزت في نقطة تسمى "المفردة" كما تقدم، ولزيادة كثافة الطاقة والحرارة فيها انفجرت فتولدت شلالات من الالكترونات والفوتونات الضوئية.

لقد رأينا أعلاه كيف قضت الاكتشافات العلمية على فكرة أن الكون أزلي القدم، مع نظرية النسبية العامة لأينشتاين، والرؤى والملاحظات التي قدمها لوميتر وهابل، واكتشاف إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، إلى جانب أدلة أخرى، يمكننا أن نستنتج بشكل معقول أن الكون له بداية. وكما قال عالم الكونيات الرائد ألكسندر فيلينكين: «مع وجود الدليل الآن، لم يعد بإمكان علماء الكونيات الاختباء وراء احتمال وجود كون أزلي القدم. لا مفر: عليهم أن يواجهوا مشكلة البداية الكونية». Many Worlds in One: The Search for Other Universes, p176.)) ومن الجدير بالذكر أن فيلينكين ليس متديناً وقد بحث عن طرق لتجنب التداعيات الإيمانية للانفجار الكبير. ويُحسب له أنه لم ينكر الأدلة القوية على البداية الكونية.

ولادة الجسيمات الأولى

بحسب ما تقدم، سبق الانفجار العظيم وجود موجات منخفضة التردد، ونتيجة تعرضها لجاذبية هائلة، تحولت هذه الترددات الى طاقة متركزة في نقطة متناهية الصغر يعبرون عنها بـ(المفردة)، تمزقت هذه المفردة لينتج منها شلالات من الجسيمات تحت الذرية، وهي الفوتونات والكواركات ومضاداتها، وبسبب تصادم الكواركات مع مضادتها تلاشى كليهما، ولم يتبق إلا قدر قليل من الكواركات شكلت لاحقاً البروتونات والنيوترونات وهي التي ستُكون فيما بعد أنوية الذرات، كذلك أدى تصادم الفوتونات مع بعضها الى نشوء الالكترونات وجسيماتها المضادة (البوزيترونات)، والتي تصادمت فيما بينها ايضاً، ولم يبق منها إلا قليل من الالكترونات.

بعد ذلك بمائة ثانية، انخفضت درجة حرارة الكون الى بليون درجة، مما سمح لتجاذب البروتونات والنيوترونات ليكونان معاً نواة الديوتيريوم (الهيدروجين الثقيل)، ببروتون واحد ونيوترون واحد، ونواة الهيليوم من بروتونين ونيوترونين.

وعندما انخفضت درجة حرارة الكون الى ثلاثة آلاف درجة، أمكن حصول تجاذب بين الالكترونات (السالبة)، مع الأنوية المكونة من البروتونات والنيوترونات، فتكون الذرات الأولى، وهي ذرة الهيدروجين والهليوم، فشكلت ذرات الهيدروجين 75% من كتلة الكون، بينما شكل الهيليوم 25%.

ولادة المجرات

عندما بلغ عمر الكون مليار سنة، أصبح حجمه أصغر قليلاً من حجمه الحالي، وهبطت درجة حرارته الى ما يقارب الدرجة الحالية، وقد تجمعت مادة الكون في في بعض أجزائه بدرجة أعلى من الأجزاء الأخرى، مشكلة ما يعرف بالسديم او السحب الكونية، واستمرت عناصر هذه السحب بالتجمع وزيادة كثافتها، كما أخذت بالدوران حول نفسها، فبدأت المجرات بالتشكل. وعند انقضاء ما يقارب تسعة مليارات سنة على خلق الكون أي منذ ما يقارب أربعة مليارات وسبعمائة مليون سنة، ولدت مجرتنا (درب التبانة).

ولادة النجوم (الشموس)

 داخل المجرة، وبمرور الوقت، بدأ غاز الهيدروجين والهيليوم في المجرات في تكوين تجمعات منفصلة على شكل سحب أخذت تتكثف بشدة، فتسبب ذلك بتصادمها العنيف مما سبب ارتفاع درجة حرارة هذه السحب وتزايد الضغط داخلها بالقدر الكافي لتبدأ تفاعلاً نووياً يحول الهيدروجين الى هيليوم، مع اطلاق الحرارة الزائدة الى الخارج، فإذا حصل التوازن بين قوى الجاذبية داخل هذه السحابة مع قوى التمدد الناشئة من الحرارة الناتجة، استقر النجم وأصبح "نجماً ناضجاً".

ولادة باقي العناصر الكيميائية

بعد ولادة النجوم (الشموس)، والتي تُعد أفراناً لتفاعل الهيدروجين والهيليوم، أضحى من الممكن ولادة عناصر كيميائية جديدة، علماً انه ليس بمقدور كل النجوم انتاج جميع عناصر الجدول الدوري، بل يتوقف انتاج النجم للعناصر على كتلته، فنجم يعادل ثلاثة مرات حجم شمسنا يكون قادراً على انتاج مجموعة العناصر لحد عنصر الكاربون ـ 12، بينما نجم تبلغ كتلته الضعف يستطيع انتاج العناصر الى حد السيليكون ـ 28، ونجم أكبر من ذلك يستمر الاندماج النووي فيه الى أن ينتج الحديد وهكذا.

ولادة كوكب الأرض

تبين سابقاً ان السحابة الغازية (السديم)، نتيجة تكاثفه ودورانه حول نفسه يشكل النجم (الشمس)، وما تبقى من هذه السحب يتكثف ويبرد مشكلاً باقي الكواكب التي تدور حول هذا النجم، فكوكب الأرض مثلاً هو بعض بقايا السحابة التي كونت الشمس بعد أن برد.

نهاية الكون

هناك عدة سيناريوهات لنهاية الكون، لكل منها أدلته، وقد أشار الفيزيائي ستيفن هوكنك للمهم منها، مرجحاً أن نهاية الكون ستكون عن طريق انكماشه وتلاشيه تدريجياً.

ومن خلال ما تقدم اتضح ان الكون خلق من عدم، فكانت له بداية، قدرها العلماء بما يقارب أربعة عشر مليار سنة، وانه بدأ بانفتاق وانفجار عظيم، ثم تمدد وتوسع بسرعة تفوق سرعة الضوء بمليار مليار مرة، وقد كانت هذه السرعة مضبوطة بإحكام، بحيث لا تؤدي الى تبعثر مادة الكون، ولا الى انهياره على نفسه.

ثم تكونت الجسيمات الأولى للمادة ثم تجاذبت فأنتجت عناصر الطبيعة التي بدورها تراكبت وتآلفت فأنتجت مواداً أكبر واشد تعقيداً.

ورغم أننا لا نرى صحة تطبيق آيات القرآن العظيم على النظريات العلمية، إلا أننا نرى الاعجاز العلمي للقرآن يكون في عدم تقاطعه مع العلم، فتخيل أن كتاباً منذ أكثر من ألف سنة، حيث كان الجهل والأمية هو السائد، ينطق بما لا يخالف أحدث النظريات العلمية.

من هنا فمن المناسب ذكر بعض الآيات الكريمات حول تصوير القرآن لنشأة الكون، فأما بداية الخلق، فقد جاء في آيات عديدة، منها قوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، العنكبوت: 20، فالخلق له بداية ولم يكن منذ الأزل.

 وعن الانفجار والانفتاق يقول: (أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)، الأنبياء: 30، فتشير الآية بما لا يقبل الشك ان السماوات بمجراتها كانت مجتمعة غير منفصلة، ثم بعد ذلك انفصلت، وهو عين ما تحكي عنه النظرية العلمية.

فتشير الآية الكريمة الى ابتداء الخلق من جرم واحد، ثم فتق تعالى هذا الجرم فتحول الى دخان، كما قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، فصلت: 11، فخلق السماوات والأرض من هذا الدخان، ومن المناسب ذكر 

فقد كشفت النتائج التي نشرها فريق من الباحثين في علوم الفيزياء الكونية في مجلة الطبيعة عدد ابريل من عام 2000  عن صورة الكون في مراحلة المبكرة جداً، وذلك من خلال المسح الفضائي الذي أنجزته مهمات مشروع بوميرانج الذي اشترك فيه ستة وثلاثون باحثاً من ستة عشر مؤسسة وجامعة في العالم، وقد استهدف هذا المشروع الكبير قياس التوزيع الزاوي لشدة الخلفية الاشعاعية الماكروية الكونية باستخدام مجسات حرارية خاصة ذات دقة فائقة وبقدرة تمييزية بلغت جزء من عشرة آلاف جزء من الدرجة المئوية صنعت لهذا الغرض. وقد تم تحميل هذه المجسات مع كافة مستلزماتها على بالون هائل بلغ حجمه 800000 متر مكعب تم اطلاقه في القارة القطبية الجنوبية، وقد وصل المنطاد لارتفاع 38 كيلومتراً.

كشفت النتائج ان توزيع الاشعة الخلفية المايكروية الكونية نتج عن صعقة صوتية هائلة حصلت في بداية خلق الكون، وقد تكون الآية السابقة إشارة اليها، وهي قوله السموات والأرض: (أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، والله العالم.

وعن تضخم الكون يقول تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)، الذارايات: 47، فالآية تشير بوضوح الى أن السماء في حالة توسع وتمدد، وهذا ما اثبتته النظريات العلمية بكل وضوح، ثم إن في قوله تعالى (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا)، إشارة الى نحو من الهياكل المتراكبة وفق نظام معين، وقد مكنت القياسات الدقيقة للخلفية المايكروية الكونية من معرفة هيئة التوزيع المادي للكون، فتبين ان هناك نسيجاً كونياً شاملاً نشأت عنده المجرات، وهذا النسيج لا يرى ولا يُحس به على حدود مساحة تقاس بملايين السنين الضوئية، لكن يمكن رؤيته إذا نظرنا لمقطع من السماء يُقاس بمئات الملايين من السنين الضوئية، وحينها سنجد أن السماء محبوكة حبكاً دقيقاً ومتيناً، وهذا من آيات الاعجاز القرآني، حيث أشار اليه بقوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ)، الذاريات: 7، فالحبك هو النسيج الكوني من المادة، كما هو موضح بالصورة. 


وأما نهاية الكون، فقد أشار اليه عدة آيات منها قوله تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)، الأنبياء: 104، فتشير الآية الكريمة الى حتمية عودة الكون بكل ما فيه ومن فيه الى جرم ابتدائي واحد، مشابه للجرم الذي ابتدأ الخلق منه وه كما تقدم " المفردة ".

هذه الحقائق الكونية في خلق السماوات والأرض لم يستطع الانسان الوصول اليها إلا منتصف القرن العشرين، وترى القرآن الكريم خلواً مما يخالف هذه الحقائق العلمية، فمن أين جاء محمد صلى الله عليه واله بكل هذا؟



التعليقات