الخميس 20 جمادى الأول 1446هـ 21 نوفمبر 2024
موقع كلمة الإخباري
اكذب حتى تصدق نفسك.. شبهة جمع القرآن بعد موت الصحابة الحافظين!
الشيخ مقداد الربيعي
2024 / 06 / 05
0

أدرك أعداء الإسلام أهمية القرآن في نفوس المسلمين، ومدى تعلقهم به، فهو يمثل المصدر الرئيس لعقيدتهم وشريعتهم، وباعث نهضتهم في حاضرهم ومستقبلهم، كما أدركوا أن تمسكهم به، يجعلهم أمة عصية على الهوان والذل والاستعباد، فأضمروا له العداء، محاولين إبعاد المسلمين عن مصدر قوتهم، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، فصلت: 26.

تجد ذلك صريحاً في كلماتهم، منها قول الحاكم الفرنسي للجزائر إبان الاستعمار الفرنسي: «إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية»، قادة الغرب يقولون، ص31.

ويقول اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر: «جئت لأمحو ثلاثاً: القرآن والكعبة والأزهر». الخنجر المسموم الذي طُعن به المسلمون، ص29.

وقول وليم جيفور بالكراف: «متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه»، رد افتراءات المبشرين على آيات القرآن الكريم، ص278.

ومقصود بالكراف بالحضارة الغربية ما نشاهده في الغرب اليوم من تحلل أخلاقي وتفكك اجتماعي ومظاهر سلبية استعصت على الإحصاء والاحاطة، ألا تباً لها من حضارة، إن صح تسميتها حضارة، وما أعظمه من كتاب ذلك الذي يتصدى لها.

وما أدركه أعداء الإسلام القدامى أدركه أعداءه الجدد، يقول حاخام إسرائيل الأكبر مردخاي الياهو: «هذا الكتاب الذي يسمونه القرآن هو عدونا الأكبر والأوحد، هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية مواجهته، كيف يمكن تحقيق السلام في وقت يقدس فيه العرب والمسلمون كتاباً يتحدث عنّا بكل هذه السلبية؟!». مجلة البيان: العدد: 159.

وعن أسلوبهم والطريقة للوصول لتلك الغاية يقول المبشر جون تاكلي: «يجب أن نستخدم القرآن ـ وهو أمضى سلاح ـ ضد الإسلام نفسه، بأن نُعلم هؤلاء الناس ـ يعني المسلمين ـ أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد ليس صحيحاً». رد افتراءات المبشرين عن آيات القرآن الكريم، ص263.


وهكذا توجهت همم القوم لإبعاد المسلمين عن قرآنهم عبر صنوف من الافتراءات والأكاذيب، بعد أن عجزوا أن يجدوا في القرآن مطعناً، فقد علم هؤلاء أن الكذب بضاعة ينطلي باطلها على الكثير من الدهماء والعامة، فأشرعوا فيه سفنهم، وما زالوا يكذبون حتى أخالهم لكثرته صدقوا أنفسهم فيما يقولون!

من ذلك زعم مؤلفي كتاب مسيحي شهير اختص بإثارة الأكاذيب على القرآن الكريم (التعليقات على القرآن)، «إن حُفاظ القرآن أربعة، وقد ماتوا قبل جمع القرآن في عهد ابي بكر، هم: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد سعيد بن عبيد الأنصاري، ولما رأى أبو بكر هذا الحال جزع من ضياع القرآن»! التعليقات على القرآن، ص29.

وهو كذب صُراح، لأن هؤلاء الأربعة أدركوا جميعاً عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، فحتى لو سلمنا ـ ولا نسلم ـ بأن القرآن جُمع في زمن أبي بكر، فهؤلاء الأربعة قد أدركوا جمع القرآن، فأبو الدرداء ولي قضاء دمشق في عهد عمر، ومات قبل موت عثمان بسنتين.

ومعاذ بن جبل مات في خلافة عمر في طاعون عمواس سنة 17 هـ، وأما ثالثهم زيد بن ثابت فقد مات سنة 45 هـ في زمن معاوية بن ابي سفيان.

ورابعهم أبو زيد الأنصاري مات في معركة القادسية زمن الخليفة عمر.

ثم أن هذا السؤال يبتني على التسليم بأن الصحابة هم من تولوا جمع القرآن، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقم بذلك بنفسه، وهذا ما لا يسلم به شيعة أهل البيت (عليهم السلام).

فيعتقد عموم أهل السنة أن القرآن جُمع في عهد الخلفاء، مستندين على جملة من الروايات من مصادر أهل السنة، ومن هنا فان مناقشة هذه المرويات وبيان مصداقيتها من عدمها يحسم النقاش في هذه المسألة، وهذا ما قام به السيد الخوئي (ره) في تفسيره البيان حيث تتبع كل هذه المرويات وأثبت ما فيها من تناقض بحيث لا يمكن الركون إليها.

فبعد أن يقرر السيد الخوئي (ره) أصل الشبهة والإشكالية بقوله: «إن مصدر هذه الشبهة هو زعمهم بأن جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر بعد أن قُتل سبعون رجلاً من القراء في بئر معونة، وأربعمائة نفر في حرب اليمامة فخيف ضياع القرآن وذهابه من الناس، فتصدى عمر وزيد بن ثابت لجمع القرآن من العسب، والرقاع، واللحاف، ومن صدور الناس بشرط أن يشهد شاهدان على أنه من القرآن، وقد صرح بجميع ذلك في عدة من الروايات، والعادة تقضي بفوات شيء منه على المتصدي لذلك، اذا كان غير معصوم، كما هو مشاهد فيمن يتصدى لجمع شعر شاعر واحد أو أكثر، إذا كان هذا الشعر متفرقاً، وهذا الحكم قطعي بمقتضى العادة، ولا أقل من احتمال وقوع التحريف، فإن من المحتمل عدم إمكان إقامة شاهدين على بعض ما سمع من النبي (صلى الله عليه وآله) فلا يبقى وثوق بعدم النقيصة. والجواب: إن هذه الشبهة مبتنية على صحة الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن والأولى أن نذكر هذه الروايات ثم نعقبها بما يرد عليها...».

ثم يذكر جميع الروايات في الباب ويقوم بمناقشتها رواية رواية ويبين ما فيها من تناقض حيث يقول: «إنها متناقضة في أنفسها، فلا يمكن الاعتماد على شيء منها، ومن الجدير بنا أن نشير إلى جملة من مناقضاتها..». البيان في تفسير القرآن، ص٢٣٩. ثم يذكر هذه المتناقضات بالتفصيل، وحيث لا يحتمل المقام ذكرها هنا فيجب على المهتم الرجوع إلى تفسير البيان للوقوف عليها.

أما روايات الشيعة فإنها دالة على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو من قام بجمع القرآن، ففي تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه أمر علياً (عليه السلام) بجمع القرآن وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة فانطلق علي عليه السلام فجمعه في ثوب أصفر ثم ختم عليه. تفسير القمي، ج2، ص٤٥١.

وهذه الرواية وغيرها تدل على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بجمع القرآن، وقد قام الإمام علي (عليه السلام) بهذه المهمة في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى ذلك اتفقت كلمة جمهور فقهاء الشيعة، ففي مجمع البيان نقلاً عن السيد المرتضى قدس سره انه قال: «إن القرآن جمع في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشكل الذي هو اليوم بأيدينا». وقال: «إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتلى عليه وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث».

وقد صرح بذلك كل من الشيخ الصدوق والشيخ المفيد وشيخ الطائفة الشيخ الطوسي وباقي علماءنا الأبرار إلى يومنا هذا.



التعليقات