الجمعة 29 ذو الحِجّة 1445هـ 5 يوليو 2024
موقع كلمة الإخباري
‏تعرّف على أسرار أفضل سورة في القرآن الكريم!
المصدر: تفسير النور – سورة الفاتحة
2024 / 06 / 03
0

سورة الحمد أو فاتحة الكتاب، تتألّف من سبع آيات وهي السورة الوحيدة التي يجب علی المسلم قراءتها عشر مرّات يوميّاً أثناء الصلوات الخمس، وتبطل صلاته في حال تركها عمداً. "لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب". [ العدد (٧) هو عدد السموات، وعدد أيّام الأسبوع والطواف حول الكعبة المشرّفة، والسّعي بين الصفا والمروة ورمي الجمرات أثناء مناسك الحجّ.]١ [المستدرك، ج٤، ح٤٣٦٥.]

‏فقد روي عن رسول الله صلی ‌الله‌ عليه ‌و‌آله وسلّم أنّه قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: "يا جابر! ألا اُعَلّمُك أفضَلَ سُورَةٍ أنزَلَها اللهُ في كتابه ؟ فقالَ لَهُ جابِر: بَلی بَأبي أنتَ وأمّي يا رَسُولَ الله ! عَلّمنِيهَا. فَعَلّمَهُ "الحَمد" أمّ الكتاب".

‏كما نُقل عن ابن عبّاس قوله: "إنّ لِكُلِّ شَيءٍ أساساً... وَأساسُ القُرآنِ الفاتِحَة".

‏وقد ورد في حديث نبوي شريف: "لَو قُرِئَت الحَمدُ علی ميّت سبعين مرّة ثمّ ردّت فيه الرّوح ما كان عجباً" [بحار الأنوار، ج ٩٢، ص ٢٥٧.]٣.

‏تكشف تسمية النبيّ الأكرم صلی ‌الله‌ عليه ‌و‌آله وسلّم لهذه السورة بـ"فاتحة الكتاب" عن موضوع مهمّ، وهو أنّ آيات القرآن جُمِعت علی عهده صلی ‌الله‌ عليه ‌و‌آله وسلّم في مصحف تصدّرته هذه السورة كما أمرصلی ‌الله‌ عليه ‌و‌آله وسلّم بذلك. [عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج ٢، ص ٢٧.]٤

‏ونقرأ في حديث الثقلين أنّ النبيّ الأكرم صلی‌ الله‌ عليه‌ و‌آله وسلّم يوصي بقوله: "أنّي تاركٌ فيكم الثقلَين

‏كتاب اللّه‌ وعترتي". يرشدنا هذا الحديث أيضاً إلی أنّ آيات الوحي الإلهي قد جُمِعت في عصر الرسول الكريمصلی‌ الله‌ عليه‌ و‌آلهوسلّم وسمّيت بـ"كتاب اللّه"، وبهذا الاسم اشتهرت بين المسلمين. [بحار الأنوار، ج ٢، ص ١٠٠.]٥

‏تتضمّن آيات سورة الفاتحة المباركة إشارات إلی الله تعالی وصفاته، وكذا إلی المعاد، ومعرفة وطلب سبيل الحقّ والإذعان لحاكمية الله تعالی وربوبيّته. كما تتضمّن السورة الابتهال والدعاء لمواصلة طريق أولياء الله، والبراءة من الضالّين والمغضوب عليهم.

‏سورة الحمد - كسائر آيات القرآن - برءٌ وشفاءٌ لآلام الجسم وأمراض الروح. [نقل العلاّمة الأميني رحمه الله في تفسير فاتحة الكتاب، روايات كثيرة في هذا المجال.]٦

‏الدروس التربوية في السورة

‏قبل الشروع في تفسير سورة الحمد، نرسم أوّلاً ملامح أبرز الدروس التي تتضمّنها، ثمّ نتبع ذلك بتفسير آياتها في الصفحات الآتية.

‏١- «بِسْمِ اللهِ‌» إعلان من الإنسان عن الاستغناء عن كلّ شيء إلّا الله لدی الشروع في أيّ عمل.

‏٢- ويستشعر مع «رَبِّ الْعَالَمِينَ» و«مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» بأنّه المربوب والمملوك، فيطرح عنه الأنانية والكبر.

‏٣- ثمّ يجعل من كلمة « الْعَالَمِينَ» جسراً يصله بجميع أجزاء الوجود.

‏٤- ليتفيّأ في ظلّ ألطاف «الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ».

‏٥- وينزع حجاب الغفلة عن مستقبله مع «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ».

‏٦- ويطرد الرياء والشهرة بترديده «إِيَّاكَ نَعْبُدُ».

‏٧- ولا يخاف القوی الكبری ما دام يلهج بـ«إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ».

‏٨- ثمّ يستيقن من «أَنْعَمْتَ» بأنّ الله هو مصدر النعم.

‏٩- فيبتهل إليه بـ«اهْدِنَا» ليهديه سواء السبيل والطريق القويم.

‏١٠- ويعلن تضامنه مع طلاب الحق عبر «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ».

‏١١- وبقوله « غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولاَ الضَّالِّينَ» يجهر ببراءته من الباطل وأهله.

‏بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)

‏إشارات:

‏* اعتادت الأمم والشعوب علی أن تبدأ كل عمل هام ذي قيمة باسم كبير من رجالها تكنّ له الحبّ والتبجيل؛ ليحظی ذلك العمل بالبركة وحسن الختام. طبعاً، كانت تلك الأمم تعمل بوحي من معتقداتها، صحيحة كانت أم فاسدة. فكانت تبدأ العمل باسم الأصنام والطواغيت تارةً، وباسم الله وعلی يد أوليائه، تارةً أخری، كما حصل مع رسول الله صلی ‌الله‌ عليه ‌و‌آله وسلّم، عندما ضرب أوّل فأس في الأرض في معركة الخندق. [بحار الأنوار، ج ٢٠ ص ٢١٨.]٧

‏«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، أو البسملة فاتحة كتاب الله. لم ترد «بِسْمِ اللهِ‌» في مطلع القرآن وحده، بل هي فاتحة جميع الكتب السماوية، وعلی رأس الأعمال لجميع الأنبياء؛ لذلك حينما كانت سفينة نوح (عليه ‌السلام) تمخر عباب الأمواج الهادرة، قال نوح لأتباعه: «بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا» [سورة هود: الآية ٤١.]٨.

‏وكذلك النبيّ سليمانعليه ‌السلام حين بعث برسالته إلی ملكة سبأ يدعوها للإيمان بدأها بعبارة « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» [سورة النمل، الآية ٣٠.]٩.

‏* يقول الإمام أمير المؤمنين عليعليه ‌السلام: "إنّ العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملاً فيقول بسم الله الرحمن الرحيم فإنّه يُبارك فيه". كما قالعليه ‌السلام لشخصٍ كان يكتب عبارة «بِسْمِ اللهِ‌»: "جَوِّدها". [كنزالعمّال، ح ٢٩٥٥٨.]١٠

‏* وردت تأكيدات كثيرة علی ذكر عبارة «بِسْمِ اللهِ‌» لدی البدء بأيّ عمل؛ في الأكل والنوم والكتابة وركوب المركب والسفر... وكثير من الأعمال الأخری، حتی أنّ الذبيحة يُحرم أكلها ما لم يذكر اسم الله عليها، وفي هذا دلالة علی وجوب أن تكون بوصلة أعمال الإنسان - بما في ذلك طعامه- متّجهة نحو الله تعالی.

‏ونقرأ في الحديث: "لا تنس (بسم‌ اللّه) حتی في بيت شعر واحد". فضلاً عن روايات كثيرة في ثواب من يعلّم الطفل البسملة لأوّل مرّة. [تفسيرالبرهان، ج ١، ص ٤٣.]١١

‏سؤال: لماذا يوصی بالبسملة عند الشروع بأيّ عمل؟

‏جواب: إنّ «بِسْمِ اللهِ‌» هي عنوان المسلم وعلامته المميّزة، ولذا، يجب أن تتّسم أعماله كلّها بسمة إلهية، تماماً كما هو الحال مع المصنع الذي يضع علامته التجارية المميّزة علی منتجاته، بصورة جزئية أو عامّة، كأن يضع، مثلاً، مصنع الأواني الخزفية علامته علی جميع منتجاته من الأواني، كبيرة كانت أم صغيرة. أو الأعلام الرسمية التي نشاهدها ترفرف علی أسطح البنايات والدوائر الرسمية والمدارس والقواعد العسكرية، وكذلك علی صواري السفن التي تمخر عباب البحار والمحيطات، وأيضاً علی طاولة الموظفين في الدوائر الحكومية.

‏سؤال: هل البسملة آية مستقلة؟

‏جواب: نُقل عن أهل بيت الرسولعليهم‌السلام وهم الذين سبقوا أئمة المذاهب الفقهية بقرنٍ من الزمان، وشربوا من كأس الشهادة في سبيل الله، وشهد لهم القرآن صراحةً بالعصمة والطهارة، نُقل عنهم أنّ آية «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» جزء من سورة الفاتحة وكلّ سور القرآن. وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" ستّة عشر دليلاً علی كون البسملة جزءاً من السورة. وللآلوسي صاحب تفسير "روح المعاني" نفس الرأي، وقبلهما ذكر ابن حنبل في مسنده أنّ البسملة جزء من السورة. هذا وقد حمل هؤلاء علی الذين لم يعتبروا البسملة جزءاً من السور أو كانوا يسقطونها في الصلاة. جاء في مستدرك الحاكم: [مسند أحمد، ج ٣، ص ١٧٧ و ج ٤، ص ٨٥.]١٢

‏صلّی معاوية بالمدينة فقرأ بالبسملة في الفاتحة جهراً ولم يقرأ بها في السورة بعدها و لم يكبّر عند الإهواء، فناداه المهاجرون: يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت؟؟! [المستدرك، ج ٣، ص ٢٣٣.]١٣

‏لقد واظب الأئمة المعصومون عليهم‌السلام علی الجهر بالبسملة في الصلاة. وكان الإمام الباقر عليه ‌السلام يقول في الذين لا يقرأون البسملة في الصلاة، أو لا يعدّنها جزءاً من السورة: "سَرقوا أكرم آية". [بحار الأنوار، ج ٨٥، ص ٢٠.]١٤

‏ثمّ ينقل البيهقي في سننه حديثاً يقول: "لِمَ يقول البعض بأنّ البسملة ليست جزءاً من السورة!" . [سنن البيهقي، ج ٢، ص ٥٠.]١٥

‏في تفسيره سورة الحمد يقول الشيخ مرتضی مطهّري رحمه الله إنّ ابن عباس، وعاصم، والكسائي، وابن ‌عمر، وابن‌ الزبير، وعطاء، وابن ‌طاووس، والفخر الرازي، والسيوطي، هم ممّن يری جزئية البسملة للسورة.

‏ينقل القرطبي في تفسيره عن الإمام الصادق عليه ‌السلام: "بسم ‌اللّه ‌تاج السور". وحدها سورة البراءة التي لم يُبَسمل في أوّلها والسبب كما يقول الإمام علي (عليه السلام) أنّ البسملة هي كلمة أمن ورحمة، وإعلان البراءة من الكفّار والمشركين لا ينسجم مع البدء بالحديث عن المحبة والرحمة. [تفسير مجمع‌ البيان والفخر الرازي.]١٦

‏خصائص البسملة

‏١- البسملة هي اللون والعلامة الإلهية وهي دالّة علی الوجهة التوحيدية. [يقول الإمام الرضا عليه‌السلام: ]١٧

‏٢- البسملة هي رمز التوحيد، وفي المقابل، فإنّ ذكر أسماء الآخرين عوضاً عنها يعتبر رمزاً للكفر، والشرك هو أن يقرن اسم الله تعالی بأسماء الآخرين. فإذن، لا اسم إلی جانب اسم الله ولا عوضاً عنه. [ليس فقط الذات الإلهية المقدّسة، بل حتی اسمه منزّه عن كلّ شرك؛ ]١٨

‏٣- البسملة رمز البقاء والخلود، وكل شيّ فانٍ ما لم يصطبغ بمسحة إلهية. [«]١٩

‏٤- البسملة تتضمّن سرّ الحبّ لله والتوكل عليه، حبّ من هو رحمن ورحيم، ونستهلّ أعمالنا بالتوكل عليه، فذكره مجلبة للرحمة.

‏٥- البسملة، انعتاق من الزهو والكبر، وهي عبارة عن تقديم فروض الولاء والتذلّل والعجز بين يدي الله سبحانه.

‏٦- البسملة الخطوة الأولی علی مسير العبوديّة لله.

‏٧- البسملة رمز فرار الشيطان، فأنّی للشيطان أن يؤثّر فيمن كان الله معه؟

‏٨- بالبسملة تكتسِب الأعمال قدسيةً وحصانةً.

‏٩- البسملة تعني ذكر الله، تعني إلهي، أنا لم أنسك.

‏١٠- البسملة تعبير عن دوافعنا، تعني، إلهي أنت مقصدي، لا الناس، ولا الطواغيت، ولا التجليات، ولا الأهواء.

‏١١- يقول الإمام الرضا عليه السلام: "إنّ البسملة أقرب إلی الاسم الأعظم من سواد العين إلی بياضها". [ تفسير راهنما (تفسير المرشد).]٢٠

‏التعاليم:

‏١- افتتاح السورة بالبسملة تعني أنّ آياتها نازلة من لدن مبدأ الحقّ ومظهر الرحمة.

‏٢- ذكر البسملة في بداية الكتاب السماوي، تعني أنّ طريق الهداية الوحيد يمرّ عبر الاستعانة بالله. [لعلّ معنی ما يقال: إنّ جميع القرآن تلخّص في سورة الحمد، وأنّ جميع سورة الحمد تلخّصت في البسملة وجميع البسملة تلخّصت في حرف "الباء" معناه أنّ خلق الكون وهدايته رهنٌ بالاستعانة به والاستمداد منه، كما أنّ رسالة النبي الأكرم صلی‌الله‌عليه‌و‌آله وسلّم شرعت أيضاً باسمه عزّ وجلّ، ]٢١

‏٣- كلام الله إلی الناس يبدأ بالبسملة، والناس يفتتحون دعاءهم لله بها.

‏٤- رحمة الله أبدية كذاته المقدّسة. «اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ».

‏٥- إظهار الرحمة الإلهية في وجوهٍ وصيغٍ عدّة، من باب المبالغة والتوكيد لهذه الرحمة. (صيغة "الرحمن"، وصيغة "الرحيم")«الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

‏٦- لعلّ في ورود عبارة «الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ» بداية الكتاب دلالة علی أنّ القرآن مظهر الرحمة الإلهية، كما أنّ مبدأ الخلق والبعثة مظهران من مظاهر لطفه ورحمته «الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ».

‏١ العدد (٧) هو عدد السموات، وعدد أيّام الأسبوع والطواف حول الكعبة المشرّفة، والسّعي بين الصفا والمروة ورمي الجمرات أثناء مناسك الحجّ.

المصدر: تفسير النور – سورة الفاتحة



التعليقات