ثمة علاقة وطيدة بين الخادم والمخدوم، وطالما ان العلاقة علاقة دينية بحتة، فإنها تكون علاقة طيبة لا يخرج منها سوى الطيب والمعروف والاحسان، لاسيما اذا وقفنا على حقيقة مفادها ان الخادم هي المرجعية الدينية العليا متجسدة بممثلها في كربلاء المقدسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة، والمخدوم هو سيد شباب أهل الجنة وريحانة المصطفى الامام الحسين عليه السلام، أعظم وأكرم بها من خدمة مباركة يستظل بفيئها كل مهموم ومكروب ومحروم، مثل هكذا علاقة تكون علاقة مثمرة فاعلة زاكية، عطاؤها دائم لا يبور، وثمارها متدلية يقطف منها الخير القريب والبعيد.
المرجع الاعلى يلتقي الشيخ الكربلائي بعد افتتاحه لمشاريع كبرى في البصرة أقصى جنوب العراق، ترجمت كل هذه المشاريع على أرض الواقع بتوصيات السيد السيستاني، وقام بتنفيذها وتطبيقها عمليا ممثله في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، أولها كان افتتاح مستشفى الثقلين لعلاج الأورام السرطانية العلاج فيه مجانا ولمدة عام كامل ولجميع الأعمار من تاريخ الافتتاح، والمشروع المهم الثاني الذي تم افتتاحه كان أكاديمية الثقلين للتوحد واضطرابات النمو الذي يقدم الرعاية الصحية للأطفال المصابين بهذا المرض مجانا ولمدة عام كامل، وأخيرا وليس آخرا مشروع ريادي ثالث يقدم خدماته لشريحة مهمة في المجتمع وهو مشروع مدينة الثقلين السكني الذي خصص للفقراء في محافظة البصرة وبشكل مجاني وفق احدث طراز عمراني، يحتوي هذا المشروع على ثلاثة آلاف دار أنجزت منها (250) دار في المرحلة الأولى، وأعلن الشيخ الكربلائي يوم الاثنين20-05-2024م خلال حفل افتتاح المشاريع أنه سيكون هناك مدن سكنية أخرى اضافة الى افتتاح الكثير من مدارس ودور التأهيل الخاصة بمكفوفي البصر والصم والبكم وذوي الاحتياجات الخاصة وفي معظم المحافظات.
لقاء المرجع الأعلى بممثله في كربلاء المقدسة الذي اعقب افتتاح تلك المشاريع، وثناؤه على جهوده التي وصفها بالمتميزة في مختلف المجالات، لاسيما المشاريع الصحية التي توفّر الرعاية للمواطنين هو دليل رضا ودعم لجهود هذا الرجل وادارته في خدمة ابناء الشعب العراقي بكل أطيافه، وكل هذا العطاء ثمرة مباركة من ثمار المرجعية الدينية العليا التي قال الشيخ الكربلائي بشأنها خلال كلمته في افتتاح هذه المشاريع: ما تربينا عليه وتأدبنا به من سيرة سيدنا ومولانا سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله الوارف) حتى في أشد السنين صعوبة ومشقة وعدم توفّر الامكانات، كان هنالك اهتمام خاص بقضاء حوائج الناس خصوصا ذوي الحاجات الشديدة، تربّينا على كل ذلك سواء بالتوصية المباشرة او الاقتداء بالفعل.
نعم ان ممثل المرجعية الدينية العليا والمتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة يتمثل بقول مخدومه الامام الحسين (عليه السلام): (اعلموا إن حوائج الناس إليكم، من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتتحول الى غيركم، ومن نفّس كربة مؤمن فرّج الله تعالى عنه كرب الدنيا والاخرة) بحار الأنوار للمجلسي، ج ٧٨، ص ١٢٧· فالمرجعية الدينية هي خير من تكرّس تعاليم أهل البيت عليهم السلام على أرض الواقع، فانها تواصل الليل بالنهار وتعمل دون كلل أو ملل في سبيل خدمة الشرائح المستضعفة في المجتمع، وأي حاجة أعظم من تلبية صرخات الذين يأنّون من أوجاع مرض السرطان، ويوفرون لهم العلاج مجانا بأرقى الأجهزة وأفضل الامكانات؟! وأي حاجة أرقى من الأخذ بيد أطفال التوحد واضطرابات النمو وتأهيلهم صحيا ونفسيا لكي يلتحقوا بركب المجتمع من جديد؟! وأي حاجة أسمى من انشاء مأوى سكن للعوائل المتعففة التي كانت بالأمس القريب تفترش الأرض وتلتحف السماء من شدة البؤس والحرمان؟! فتنفيس الكرب عن العوائل الفقيرة والمنكوبة هو توفيق عظيم لا يتلقاها الا ذو حظ عظيم.
المرجعية الدينية انما تقدم كل تلك الخدمات قربة الى الله تعالى، لا تبتغي من هكذا مشاريع ربح دنيوي زائل، بل هدفها رضا الله تعالى وخدمة العباد والبلاد، وفي ذلك توفيق ونماء وبركة ومحبة المؤمنين في مشاريعهم الرائدة في الدنيا، وتوفيق بالفوز بجنة الخلد ورضوان من الله أكبر وأعظم في الآخرة، الأحاديث الشريفة لأهل البيت عليهم السلام وتشويق المرجعية الدينية العليا في قضاء حوائج الطبقات المحرومة في المجتمع، أعطت حافزا عظيما وزخما كبيرا لممثل المرجعية الدينية العليا وفريقه المختص من المضي قدما لإنجاز المشاريع الخدمية بكل شوق ولهفة للوصول الى مجتمع متكافل متواصل متحابب، فالعمل الذي فيه غطاء ديني ومرجعي يكون عملا مقدسا يتضمن عدة دلالات ورسائل يمكن تلخيصها فيما يلي:
1ـ ما كان لله تعالى ينمو، ولا شك ولا ريب ان هذه الأعمال الخدمية للطبقات الفقيرة وبالمجان، الغرض منها رضا الله تعالى وخدمة العباد، فتراها تنمو بشكل مطّرد، بل تعدت حدود كربلاء الحسين عليه السلام، ليشمل العطاء الحسيني معظم محافظات العراق.
2ـ المرجعية الدينية العليا تخطّت الشعارات واثبتت على أرض الواقع انها تبارك وتدعم ماديا ومعنويا كل عمل مخلص يقدم خدماته الانسانية للمجتمع بصورة عامة وللطبقات الفقيرة بصورة خاصة.
3ـ قضاء حوائج الناس هي نعمة عظيمة على البشرية ولا يتلقّى تلك النعمة الا من سعى وصبر واستقام في طريق ذات الشوكة، نرى ذلك واضحا في مضي المرجعية قدما في تقديم الخدمات وتذليلها الكثير من العوائق والمطبات التي تواجهها في سبيل تحقيق هذا الهدف المبارك.
4ـ ان عجلة الاصلاح والبناء والعطاء لا تتوقف على فئة دون أخرى، والمرجعية تدرك تماما ان التوفيق لأعمال البر والاحسان من نصيب المخلصين، فتدعمهم وتفتح أبوابها مشرعة لهم، أما الزبد فيذهب جفاء غير مأسوف عليه.
5ـ خدمة الطبقات الفقيرة في المجتمع عمل انساني بحت، فانه يشمل الجميع دون استثناء بغض النظر عن الجغرافيا والطائفة والقومية، وهذا ما دأبت عليه المرجعية الدينية في تعاطيها الانساني في كافة مجالات الحياة.
6ـ استقلالية المؤسسة الدينية إداريا وماليا تجعلها تتحرك بأريحية في تنفيذ مشاريعها الخدمية بعيدا عن الروتين والفساد السائد عادة في معظم مؤسسات الدولة.
7ـ تأهيل الأطفال المصابين بمرض التوحد الذي هو عبارة عن خلل دماغي، ما يتسبب في حدوث مشكلات في التفاعل والتواصل الاجتماعي، تأهيل هذه الشريحة ودمجهم في المجتمع يعد هاجسا طالما كان يراود المرجعية لتبديده ودمج المصابين ليكونوا اداة فاعلة فيه بعد التأهيل والاندماج.
8ـ المرجعية الدينية انما تتفاعل مع الأعمال المنجزة على أرض الواقع خدمة للصالح العام، وتشدّ على ايدي المخلصين العاملين غير آبهة بالشعارات الرنانة والزائفة التي لا تغني ولا تسمن من جوع سوى تضليل وخداع السذّج من الناس.
9ـ الأولوية في بناء المؤسسات الخدمية من توفير علاج لأمراض السرطان، وتأهيل مرضى التوحّد، وتوفير السكن اللائق للطبقات المحرومة، هي سياسة اتبعتها المرجعية الدينية في بلد منهك كالعراق خرج من حروب وارهاب ونكبات، هو بأمس الحاجة الى مثل هكذا مشاريع انسانية.
10ـ ان وجه المرجعية الدينية بشوش لكل عمل مخلص فيه خدمة العباد والبلاد ورضا الله تعالى، ووجهها عبوس لكل أشر تسلق الى المنصب خدمة لمصالحه الشخصية والحزبية على حساب المصلحة العامة.