السبت 18 ربيع الأول 1446هـ 21 سبتمبر 2024
موقع كلمة الإخباري
ما حقيقة طول عمر الإمام المهدي إلى يومنا هذا؟!
آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - مرجع ديني
2024 / 02 / 22
0

إنّ من الأسئلة المطروحة حول الإمام المهدي(ع) ، طول عمره في فترة غَيبته، فإنّه ولد عام 255 هـ، فيكون عمره إلى العصر الحاضر أكثر من ألف و مائة وخمسين عاماً، فهل يمكن في منطق العلم والعقل أن يعيش إنسان هذا العمر الطويل؟

و الجواب من وجهين، نقضاً و حلّاً.

أمّا النقض: فقد دلّ الذكر الحكيم على أنّ شيخ الأنبياء عاش قرابة ألف سنة، قال تعالى: «فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً»[1]

وقد تضمّنت التوراة أسماء جماعة كثيرة من المعمّرين، وذكرت أحوالهم في سِفْر التكوين[2]

و قد قام المسلمون بتأليف كتب حول المعمّرين، ككتاب «المعمّرين» لأبي حاتم السجستاني، كما ذكر الصدوق أسماء عدّة منهم في كتاب «كمال الدين»[3]، والعلّامة الكراجكي في رسالته الخاصّة، باسم «البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان»[4]، والعلّامة المجلسي في البحار[5]، و غيرهم.

و أمّا الحلّ: فإنّ السؤال عن إمكان طول العمر، يعرب عن عدم التعرّف على سعة قدرة اللَّه سبحانه: «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»[6]، فإنّه إذا كانت حياته و غيبته و سائر شئونه، برعاية اللَّه سبحانه، فأي مشكلة في أن يمدّ اللَّه سبحانه في عمره ما شاء، ويدفع عنه عوادي المرض ويرزقه عيش الهناء.

وبعبارة أُخرى: إنّ الحياة الطويلة إمّا ممكنة في حد ذاتها أو ممتنعة، والثاني لم يقل به أحد، فتعين الأوّل، فلا مانع من أن يقوم سبحانه بمدّ عمر وليه، لتحقيق غرض من أغراض التشريع[7]

أضف إلى ذلك ما ثبت في علم الحياة، من إمكان طول عمر الإنسان إذا كان مراعياً لقواعد حفظ الصحة، و أنّ موت الإنسان في فترة متدنية، ليس لقصور الاقتضاء، بل لعوارض تمنع عن استمرار الحياة، ولو أمكن تحصين الإنسان منها بالأدوية والمعالجات الخاصة لطال عمره ما شاء اللَّه.

وهناك كلمات ضافية من مَهَرة علم الطب في إمكان إطالة العمر، وتمديد حياة البشر، نشرت في الكتب و المجلات العلمية المختلفة[8]

وبالجملة، اتّفقت كلمة الأطباء على أنّ رعاية أُصول حفظ الصحّة، توجب طول العمر، فكلّما كثرت العناية برعاية تلك الأُصول، طال العمر، ولأجل ذلك نرى أنّ الوفيات في هذا الزمان، في بعض الممالك، أقلّ من السابق، والمعمّرين فيها أكثر من ذي قبل، وما هو إلّا لرعاية أُصول الصحّة، ومن هنا أُسّست شركات تضمن حياة الإنسان إلى‏ أمد معلوم تحت مقرّرات خاصة و حدود معينة، جارية على قوانين حفظ الصحّة، فلو فرض في حياة شخص اجتماع موجبات الصحّة من كلّ وجه، طال عمره إلى ما شاء اللَّه.

وإذا قرأت ما تُدَوِّنه أقلام الأطباء في هذا المجال، يتّضح لك معنى قوله سبحانه: « فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى‏ يوْمِ يبْعَثُونَ»[9]

فإذا كان عيش الإنسان في بطون الحيتان، في أعماق المحيطات، ممكناً إلى يوم البعث، فكيف لا يعيش إنسان على اليابسة، في أجواء طبيعية، تحت رعاية اللَّه و عنايته، إلى ما شاء اللَّه؟[10]

لو أغمضنا عن البحث السابق ونفرض أنّ للإنسان بطبعه الابتدائي حدّاً ثابتاً من العمر؛ مع ذلك فإنّه لا يمكن تعميم هذا الموضوع على كافة الأفراد، و ذلك لوجود الاستثناءات دائماً بين الكائنات الحية و التي لا تنطبق على ‏الضوابط السائدة في العلوم الطبيعية والتجريبية، حتّى أنّ العلم ليعجز أحياناً عن تفسيرها.

ولكن كما قلنا فإنّ مسألة طول العمر وبغض النظر عن العقائد الدينية بشأن قدرة اللَّه و قضية الاعجاز، فإنّها تنسجم تماماً ومنطق العلوم الطبيعية الحديثة، أمّا المشكلة الوحيدة فهي ضرورة تحرير أفكارنا و أنفسنا من بعض الأحكام المسبقة والتعصبات المقيتة والعادات التي ألفِناها، والتسليم للدليل والمنطق والبحث العلمي.

إننا حين نسمع برجل نمساوي عمَّر أكثر من 140 سنة و لم يمرض ولو لمرّة واحدة! أو رجل كولومبي بلغ 167 سنة من عمره و مازال فتى! أو رجل صيني أبيضَّ شعره بعد 253 سنة من عمره! نشعر بالدهشة؛ و ذلك لأنّه يختلف عن العادة، ولكن لو كان هناك تركيز إعلامي على هذا الخبر و ورد بصورة قطعية فإننا سنقر به كحقيقة واقعة.

ولكن ما أنّ نقرأ في الحديث: «القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان؛ قوي في بدن 

حتّى يعتري البعض الحيرة والذهول. وهنا تتساءل الشيعة: لِمَ يعتقد البعض بطول عمر نوح والمسيح و يذكرون تلك الخصائص العجيبة لابن سينا، ولا يتسمون لمشاهدة انحناء الأجسام الفلزية بنظرة من شاب و رؤية الأشجار و الأحياء المعمرة، ولكن ما أن يرد الحديث عن طول عمر المهدي عليه السلام حتّى يقطب البعض و يخطف لونه و يتساءل على نحو الانكار عن إمكانية ذلك.

زبدة الكلام إنّ مسألة طول العمر ليست من المسائل التي يمكن الاشكال عليها والتنكر لها على ضوء الأحكام المنطقية والعقلية[11]

الهوامش:

[1] العنكبوت: 14.

[1] العنكبوت: 14.

[2] التوراة، سفر التكوين، الإصحاح الخامس، الجملة 5، و ذكر هناك



التعليقات