ماذا تقول الأم حين يسافر ابنها وتشتاق إليه؟ تقول «أريد أن أضمه إلى صدري، اشتقت إلى رائحته».
وماذا نقول حين نحتفظ بشيء يعود إلى الحبيب الغائب عنا؟ نقول «هذا من رائحته» حتى لو أن الشيء الذي نحتفظ به لا يحمل أية رائحة.
قد يُقال إن استعمال كلمة «رائحة» هو استعارة مجازية للتعبير عن شوقنا إلى الشخص نفسه، لكن الحقيقة الكاملة هي غير هذا لأننا نشتاق فعلاً إلى رائحة المحبوب إضافة إلى المحبوب ذاته.
أثر الرائحة يشبه إلى حد بعيد أثر منوِّم «الميلاتونين» الطبيعي
منذ نعومة أظفارنا نحتاج إلى وجود من نحب بالقرب منا، فالرضيع ينام ملء جفونه حين يشم رائحة أمه أو قطعة قماش مشبعة برائحتها، ويبدو أن هذا الأثر المطمئن للرائحة يفعل فعله حتى عندما نكبر لكن الرائحة المطمئنة تتسع لتشمل رائحة الحبيب وشريك العمر، وهذه حقيقة أثبتها العلم مؤخرًا.
للتأكد من صحة هذا القول، قام فريق من جامعة كولومبيا البريطانية بقياس ثوابت النوم لدى عدد من المتطوعين أمضوا بضع ليالٍ وحدهم في سريرهم بغياب شريك عمرهم، ووُضِع على وسادة بعض منهم قميص ارتداه المحبوب ويحمل رائحته في حين وُضِع على وسادة الباقين قميص نظيف.
ثم قام الباحثون بقياس جودة النوم خلال الليل ليتبين أن الأشخاص الذين ناموا برفقة قميص مشبع برائحة الشريك قد تمتعوا بنوم أعمق وأطول بالمقارنة مع أولئك الذين ناموا برفقة قميص نظيف.
واعتبر الباحثون أن أثر الرائحة يشبه إلى حد بعيد أثر منوِّم «الميلاتونين» الطبيعي، أي هرمونه النوم التي يفرزها الدماغ، ليخلصوا إلى نتيجة مفادها أن الرائحة تحمل معها علاقة وطيدة جدًا بين البشر، فهي تؤثر في تركيبة الدماغ العميقة وتساعد في إزالة حالات التوتر وهذا يعني أن العكس صحيح، فحين نشم رائحة كريهة أو نشم رائحة شخص لا نحبه تصيبنا حالة من التوتر.
ومن حسنات هذه التجربة أنها تقترح علينا بديلاً جميلاً عن المنّوم في حالات الأرق، فعليكم بضم الشريك أو رداء يحمل رائحته حتى تتلاشى حالة التوتر، كما أنها أعطتنا إجابة ترضي الشريك حين يلومنا على رغبتنا في النوم حينما نأوي إلى الفراش فنقول له «إنها رائحتك التي ترخي أعصابي»!