يحتفل العراقيون اليوم بالذكرى الرابعة بعد المئة لتأسيس جيش بلادهم، الذي مرّ بمحطّات مفصلية سجّلتها صفحات التاريخ، وفيما كان يعدّ ما قبل ثمانينيات القرن الماضي ومجيء النظام البعثي أقوى الجيوش العربية؛ فإنّ مواقف ما بعد العام (2003) حتى الانتصار على داعش وصولاً إلى يومنا هذا، فهو الأقوى موقفاً وشرفاً ودفاعاً عن الشعب والنظام.
الجيش العراقي.. سور الوطن
هكذا يتحدّث العراقيون من شخصيات رسمية وشعبية ومثقفين وناشطين، بفخر كبير لـ موقع (كلمة) الإخباري وأحاديث أخرى تابعها في هذه المناسبة، حيث قدّموا التهاني والتبريكات لجيش بلادهم في "ذكراه العطرة".
يكتب رئيس تحرير صحيفة الصباح الرسمية، قائلاً: "بديهيّ أنَّ هويَّة الجيوش تابعة لهويَّة الأنظمة التي تُسيِّرها، وتاريخ جيشٍ ما هو عين تاريخ مَنْ يستخدمه ويستثمره، لكنَّ هناك مواقف مفصليَّة حاسمة هي التي تكشف عن شجاعة هذا الجيش وبسالته ومهنيته"، مبينا أنها "مواقف عابرة لنوع النظام وشكله وتوجّهه، بل تظلّ راسخة بوصفها سمةً من سمات الجيش المكوِّنة له".
ويضيف: "اليوم إذ أصبح الجيش العراقيُّ مقتصراً على مهمّته الوحيدة والمقدّسة التي هي الدفاع عن العراق دولة وشعباً وسيادةً ومقدرات، تُسيّره قيادة تنشد السلام مع محيطها والعالم، فإنّه يعود إلى الهدف الأول الذي أُنشِئ من أجله قبل مائةٍ وأربع سنواتٍ والمتمثل بحماية الوطن".
ويختتم حديثه بتقديم التهاني قائلاً: "تحيَّة لبواسل جيشنا الذين سجّلوا مآثرهم بأحرفٍ من نورٍ في وجدان العراقيين والعرب".
في حين يذكر الصحفي جواد كشمر لـ (كلمة) قائلاً: إنّ "هذه المناسبة العطرة ما هي إلا استذكار للملاحم التي خاضها أبناء الجيش العراقيّ البطل، الذين سطروا أجمل صور التضحية والدفاع عن وطنهم وأبناء شعبهم".
وأشار إلى أن "من واجبنا جميعاً كعراقيين أن ندعمَ ونثمن تضحيات هذا الجيش المغوار، الذي أثبت أنّه سيبقى أبداً إلى صف حماية الوطن وسيادته وأهله".
كما لفت كشمر إلى أن "دعم الجيش العراقي والتذكير بتضحياته يعدّ مهماً للغاية؛ في ظل الظروف المصيرية التي تواجه البلاد والمنطقة"، مضيفاً أنّ "لا شيء يمكن أن يقف أمام الهجمات والعدوان الخارجي إلا بالاحتماء بسور الوطن الشامخ المتمثل بالجيش العراقي وجميع صنوف القوات الأمنية البطلة".
وعن هذه المناسبة أيضاً يقول المواطن حسام الشويلي (50 عاماً) لـ (كلمة): "لقد حارب أخوتنا في الجيش والقوات الأمنية الأخرى بلا هوادة من أجل تحرير بلادنا من الشر المعروف باسم (داعش) وحققوا الانتصار عليه".
وتابع، "نحن فخورون بكل ما أنجزه الجيش العراقي، وخاصة في فترة مقاتلة العصابات الإرهابية. إنه لشرف لنا أن نقف إلى جانب جيشنا ونبارك له عيده المجيد".
تعد فترة مقاتلة عصابات داعش الإرهابية هي الأصعب في تاريخ العراق الحديث، وحتى ما بعد الانتصار عليها عام (2017) ظل الخطر محيطاً بالعراقيين، فقدّم الجيش العراقي وصنوف القوات الأمنية الأخرى من الحشد الشعبي والشرطة تضحياتهم لتأمين الحدود الخارجية ومحاربة أوكار داعش وخلاياه النائمة.
قدّم الجيش العراقي عدداً كبيراً من ضباطه وجنوده الشجعان على طريق حفظ الأمن والأرض والمقدسات، كما واجه تحديات أخرى أبرزها محاربة تجّار المخدرات.
كما لا ينسى المواطن حسن شعيب (25 عاماً) "دور الجيش العراقي في تأمين كبرى الأحداث العالمية التي يحتضنها البلد، والمتمثلة بإحياء زيارة أربعينية الإمام الحسين (ع) التي تشهدها كربلاء سنوياً، إلى جانب مناسبات دينية أخرى".
الجيش العراقي في عيون المرجعية
بتاريخ (7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014) ثمّن وكيل المرجعية الدينية العليا السيد أحمد الصافي في خطبة صلاة الجمعة من الصحن الحسيني الانتصارات المتحققة للجيش العراقي وملبي فتوى الدفاع الكفائي.
وقال الصافي: إنّ "الانتصارات التي تحققت في بعض المناطق من قِبل الجيش العراقي والأخوة المتطوعين لهي انتصارات كان ينتظرها الشعب العراقي الكريم مؤملاً بأبنائه البررة أن يكونوا دائماً في مواقع الانتصار، يدفعون عن العراق والعراقيين خطر الإرهاب والإرهابيين".
كما أشّر الصافي نقطة مهمة في حديثه، تتمثل في تحقيق الانتصار للجيش العراقي بمعزل عن السياسة وتجاذباتها العقيمة.
وأشار إلى أن "التجربة السابقة خلال السنوات الماضية قد أثبتت أن الاختلافات السياسية بالشكل الذي كان فيه الاختلاف، قد اضرت البلد كثيراً واخرّته، ولم يتقدم في مجالات شتى ومن جملتها المجال العسكري والأمني".
كما وجاء في خطبة لاحقة للسيد الصافي بتاريخ (16 كانون الأول/ يناير 2017) العديد من كلمات التعظيم التي تترنّم ببطولات الجيش العراقي.
السيد الصافي قال: "هؤلاء الإبطال الأعزاء المقاتلون، هؤلاء النجباء، هؤلاء الذين تمتعوا بهذا الحس الوطني الحقيقي، هؤلاء هم شرفنا وعزتنا وبقاؤنا، هؤلاء هم التيجان التي نفتخر بها، هؤلاء هم إكليل يطوّق أرض العراق".
ويذكّر أيضاً في خطبة أخرى بتاريخ (23 كانون الأول/ ديسمبر/ 2016) بما يعانيه أبطال الجيش العراقي المرابطون على حماية وطنهم وشعبهم.
حيث قال الصافي: "هؤلاء المقاتلون الذين يفترشون الرمال في الصحراء القاسية، حاملين أرواحهم على اكفهم ليحفظوا للإسلام أصالته وجوهره وللوطن كرامته وعزته، وليصونوا أعراض مواطنيه الغيارى".
كما دعا ممثل المرجعية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي الجيش العراقي قائلاً: "اجعلوا قصدكم ونيتكم ودفاعكم هو الدفاع عن حرمات العراق ووحدته وحفظ الأمن للمواطنين وصيانة المقدسات".
وجاء ذلك في خطبة الجمعة من الصحن الحسيني التي تزامنت في يوم الاحتفال بعيد الجيش العراقي من سنة (2022).
وقال الشيخ الكربلائي: إن "أعزتنا في القوات المسلحة ومن التحق بهم في محاربة الإرهاب الداعشي والدفاع عن العراق شعباً وأرضاً ومقدسات، لهم فضل كبير على الجميع، ولا سيما من هم مرابطون الى اليوم على الحدود وما يتبعها من المواقع الحساسة".
وتابع، "لا ينبغي أن ننسى فضلهم ولا يجوز أن يبلغ مسامعهم أي كلمة تنتقص من قدر تضحياتهم الجسيمة".
ويتوّج مثل هذه المواقف التاريخية للمرجعية الدينية العليا في دعم الجيش وتثمين تضحياته، استقبال المرجع الأعلى السيد علي السيستاني بتاريخ (16 كانون الأول/ ديسمبر 2019) لعدد من جرحى الجيش العراقي.
السيد السيستاني الذي ظهر في الصورة التي نشرتها حينها رابطة جرحى الجيش العراقي، يستقبل ضيوفه من أبطال الجيش ويقضي فترة من الحديث معهم عن منجزاتهم وتضحياتهم الكبيرة.
وكشف رئيس الرابطة المقاتل مقدام رحيم في لقاء تلفزيوني عقب هذه الزيارة، أن "السيد السيستاني استقبله مع سبعة من جرحى الجيش العراقي، وتحدث معهم بعض الوقت وخصّهم بعنايته وسمح بالتصوير معه تكريماً لهم".
ومن النادر أن يظهر السيد السيستاني في لقاءات مصوّرة، سوى بعض الزيارات التي يعتبرها مهمّة كما هي هذه الزيارة لجرحى الجيش العراقي، ويريد من خلالها إرسال رسائله الخاصة للداخل والخارج.
وقبل (22 عاماً) وجّهت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) الأمريكية أسئلة إلى السيد السيستاني تخص مرحلة ما بعد الإطاحة بالنظام الديكتاتوري عام (2023)، ونشرها مكتب سماحته في النجف مؤرّخة بـ (4 جمادى الثانية 1424 للهجرة).
وكان من بين الأسئلة التي وجّهتها الصحيفة، سؤالها حول ما إذا يرتأي سماحته أن العراق بحاجة إلى جيش آخر جنباً إلى جنب أو بديلاً عن الجيش الذي تم تأسيسه من قبل الحلفاء؟
فأجاب السيد السيستاني: إنّ "جيش العراق هو الجيش الوطني الذي يقوده العراقيون ومهمته الدفاع عن العراق أرضاً وشعباً ومقدسات، ولا محلّ لجيش آخر إلى جنب هذا الجيش".
كانت هذه الإجابة كفيلة بإظهار موقف المرجعية الدينية العليا منذ الأيام الأولى لإسقاط النظام الديكتاتوري، والتي أكدت على أن العراقيين قادرون لحماية أرضهم وكذلك كتابة دستور بأنفسهم وممارسة العمليات الديمقراطية بعيداً عن الاحتلال وأجنداته المشبوهة.
تحديات أمنية مستمرة
وفي ظلِّ الاحتفال بعيد الجيش العراقي، فقد أظهر الأخير أنّه المحامي الأول عن بلاده وشعبه، وذلك بعد الأحداث الأخيرة التي حصلت في سوريا وسقوط نظام الحكم فيها.
كانت المخاوف كبيرة جداً عن نية العصابات الإرهابية في سوريا استغلال الوضع المتأزم للدخول إلى الأراضي العراقية واختراق سورها الأمني.
إلا أن الجيش العراقي وبمساندة الحشد الشعبي اتخذ تعزيزات أمنية كبيرة؛ لمنع أي محاولات للتسلل، وهو ما نجح فيه حتى الآن.
ويبرز التحدي الآخر للجيش العراقي والقوات الأمنية الأخرى، بعد الإعلان عن انتهاء مهمّة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمقاتلة عصابات داعش الإرهابية.
واعتبر المحللون والمراقبون في أحاديث متفرقة لـ (كلمة) أنّ "هذا الأمر يمثل تحدياً كبيراً للقوات الأمنية العراقية، حيث ستتولى بالكامل تأمين أراضيه وحدوده وأجوائه، من دون مساعدة دولية".
وأشاروا إلى أنّ "واشنطن ملزمة تماماً وفقاً للاتفاقية الأمنية الموقعة مع بغداد، على سحب جميع قواتها العسكرية من الأراضي العراقية، وترك هذه المهمّة للجيش العراقي وباقي الصنوف الأمنية".
أيضاً واستجابةً للتحديات الأمنية المتزايدة في البلاد والمنطقة، سعى العراق إلى تعزيز منظومته العسكرية؛ من خلال إطلاق مشاريع استراتيجية تهدف إلى رفع قدرة الجيش العراقي على مواجهة المتغيرات الإقليمية والعالمية.
وفي طور الاستعداد لإحياء عيد الجيش العراقي، قال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول في تصريحات تابعها (كلمة): إن "القائد العامَّ للقوّات المسلّحة محمّد شياع السودانيّ، سيقوم بافتتاح مشاريع حيويَّة، كما سيضع الحجر الأساس لمشاريع أخرى تهدف إلى تطوير البنى التحتيَّة للمؤسَّسة العسكريَّة، بما يتماشى مع أحدث المعايير العالميَّة في مجال التسليح والتدريب".
وأضاف أنّ "هذه الخطوات تأتي في إطار استراتيجية شاملة لتعزيز جاهزية القوات المسلّحة؛ لمواكبة التحديات الإقليمية والدولية، وضمان قدرتها في الحفاظ على الأمن الوطني والسيادة العراقية" بحسب قوله.
وتشمل المشاريع الجديدة بحسب رسول "إدخال تقنيات حديثة في مجال التسليح والدفاع الجوي، مع التركيز على تعزيز الأسطول الجويّ العراقي، وتحديث منظومات الرادارات، إضافة إلى تحديث الأسطول بطائرات جديدة متعدّدة المهام".
كيف يستعد ضباط الجيش لخوض مهامهم؟
كانت الصورة الأجمل التي رسمها ضباط الجيش العراقي المتخرجون من الدفعات العسكرية المتتالية، حضورهم المهيب في رحاب المرقد الحسيني والعباسي في كربلاء.
يتناوب خريجو الدورات العسكرية من الضباط والمقاتلين الشجعان على ترديد قسم الولاء بنصرة العراق والعراقيين من رحاب المرقدين الشريفين.
يعتقدُ هؤلاء بحسب تصريحات سابقة أدلوا بها وتابعها (كلمة) أنّ "من هذا المكان المقدّس يعاهدون الله تعالى والإمام الحسين وأخاه العباس (ع) على نصرة وطنهم وأبناء شعبهم، ودفع الأخطار والأطماع الخارجية عنهم".
وشهد المرقدان المقدّسان لدى الملايين من المسلمين، إقامة عدد كبير من حفلات تخرج الضباط العسكريين، الذين يقيمون مراسيم خاصة لترديد قسم الولاء.
وأكّدت الكاتبة والأديبة سعاد قاسم على أهمية مثل هذه الفعاليات التي وصفتها بــ "كرنفالات الشرف وإعلان السير على خطى الإمام الحسين (ع) وثورته الإصلاحية والوقوف بوجه الظالمين، والدفاع عن المظلومين".
خلفيات تاريخية للجيش العراقي
- يعدّ الجيش العراقي من بين جيوش (175) جيشاً وطنياً في العالم ما عدا (21) دولة ليس لديها جيوش مطلقاً، كما أن العراق من بين (16 دولة) فقط تحتفل رسمياً بتكريم قواتها المسلحة بتخصيص يوم في السنة كعيدٍ وطني بمناسبة تأسيس جيشها، ومنها العراق الذي يحتفل كل عام بتاريخ (6 كانون الثاني/ يناير) بهذا العيد الوطني.
- إن القاسم المشترك بين هذه البلدان التي تمتلك جيوشاً وطنياً هو أن جيشها لعب دوراً هاماً في تنمية الدولة، وهو ما حرص عليه الجيش العراقي خلال فترات مهمة من تاريخ البلاد.
- بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية، خضع العراق للانتداب البريطاني.
- تم تفعيل الجيش العراقي، في (كانون الثاني/ يناير 1921) بدلاً من الجيش البريطاني الذي تكبّد خسائر عسكرية واقتصادية إبان الاحتلال البريطاني للعراق.
- على مدى ما يقرب من 100 عام منذ ذلك الحين، مر الجيش العراقي بالعديد من التغييرات وخاض العديد من الصراعات الطويلة، وكانت أكثر مرحلة تعرض فيها للخسائر هي الحروب العبثية التي خاضها النظام الديكتاتوري بقيادة صدام حسين مثل حرب الثمان سنوات مع إيران وحربه على الكويت، والتي استنزفت طاقة الجيش العراقي بالكامل.
- يُنظر إلى عيد الجيش العراقي اليوم باعتباره يومًا للاعتراف بدور القوات المسلحة في حماية الدولة والسيادة والمجتمع، وتكريم أولئك الذين فقدوا أرواحهم في الخدمة العسكرية للبلاد.