وصلَ الحال في العراق أن تُوصف فيه خدمة الإنترنت بـ "السلحفاة"؛ بسبب ضعف هذه الخدمة كما يقول المستخدمون رغم التكاليف الباهظة التي يدفعونها لقاء التمتّع بها أو تمتّع نصفي، ولكن مثل هذا الوصف لا يروق لمزوّدي الخدمة أو وزارة الاتصالات العراقية ذاتها؛ في حين يذهب مختصون وخبراء إلى القول: إن الأمر متعمّد ومفتعل.
كان المواطنون في وقت سابق يلقون باللائمة على وزارة الاتصالات، واعترفت الأخيرة قبل أعوام بذلك، وعزت ضعف شبكة الإنترنت إلى عوامل عدة أبرزها الفساد المستشري، وضعف الشركات المجهّزة للخدمة، إلى جانب غياب رؤية الوزارة لوضع حلول ناجعة وليست ترقيعية.
ويرجع عدد من المواطنين ممن تحدّثوا لموقع (كلمة) ضعف الخدمة إلى "القرارات السياسية والمصالح الحزبية"، واعتبروا بأنّ "إضعاف الخدمة يصبح في مصلحة المتنفّذين الذين يجنون أرباحاً مالية مضاعفة".
كما تظلّ البنية الأساسية للاتصالات في العراق "متخلفة نسبياً" بحسب تقرير نشرته منظمة (فريدم هاوس) باللغة الإنجليزية وترجمه (كلمة).
التقرير شمل ما وصفته المنظمة بتراجع الخدمات في هذا القطاع إلى جانب تراجع حرية الإنترنت للفترة من (1 يونيو/ تموز 2023 – 1 مايو/ 2024).
ويتضمّن التقرير إحصائيات حديثة بنسبة ما، وأشار إلى أن "معدل انتشار الإنترنت في البلاد هو واحد من أدنى المعدلات في المنطقة".
ورغم أن وزارة الاتصالات قد بذلت جهوداً في الفترة الأخيرة؛ لتحسين الخدمات من خلال مشاريع تشمل مدّ كابلات الألياف الضوئية خارج المناطق الحضرية، وتركيب أبراج نقل جديدة، وبناء قدرات موظّفي الوزارة، إلا أنّ الواقع لم يتحسّن.
تزايد المستخدمين وتراجع الخدمات
وفي ظل تزايد أعداد مستخدمي خدمة الإنترنت في العراق الذي يرجع إلى تزايد أعداد المواطنين والشركات والأعمال التجارية والمشاريع الحكومية، انتشر الإنترنت بشكل كبيراً جداً، ولكن تبقى الخدمة "مخيّبة للآمال وتؤثّر إلى حد كبير على أعمالهم" كما تحدّث المواطنون لموقعنا.
كما ويشهد البلد بين فترات متقاربة جداً انقطاع الخدمة نهائياً، خصوصاً أيام الامتحانات النهائية خوفاً من تسريب الأسئلة، أو لتطورات سياسية وأمنية كما حصلت إبان فترة الاحتجاجات الشعبية عام (2019) وقبلها إبان فترة اجتياح عصابات داعش الإرهابية عام (2014)، مع سبب آخر يتعلّق بضعف البنى التحتية بشكل عام لهذه الخدمة التي أصبحت حيوية ومهمة.
وقبل سنوات قليلة جداً، كان العراق وفقاً لتصريحات وبيانات رسمية اطلع عليها (كلمة) يخسر أكثر من (40 مليون دولار) يومياً؛ نتيجة لضعف الخدمة أو انقطاعها.
وكانت أكثر الدوائر الحكومية ومنها دائرة المرور والجنسية والجوازات إضافة إلى المصارف، تعتذر من المواطنين عن الخلل الذي يحدث في الأجهزة التي تتطلب خدمة إنترنت عالية لإنجاز معاملاتهم، وهذا يؤشّر إلى حدٍ كبير ضعف هذه الخدمة. وتتصاعد معها في الوقت ذاته ردود الأفعال والانتقادات الشعبية، ويصيب المواطنين الحسرة؛ لعدم تطور الإنترنت وإنجاز المعاملات بسرعة كما هو الحاصل في دول العالم.
واعتباراً من (يناير/ كانون الثاني 2024) بلغ معدّل انتشار الإنترنت (78.7 %) كما ذكرت ذلك إحصائيات لمنظمات دولية معنية بالخدمات الرقمية، تابعها (كلمة).
وكان حينها ما يقرب من (36.22) مليون مستخدم للإنترنت في العراق، ولكن ظلت سرعات الإنترنت عبر الخطوط الثابتة والمتنقلة بطيئة نسبياً.
واعتباراً من شهر (مايو/ أيار 2023) بلغ متوسط سرعات التنزيل والتحميل عبر الهاتف المحمول (29.87 ميجابت في الثانية)، و (14.95 ميجابت في الثانية) على التوالي.
كما بلغ متوسط سرعات التنزيل والتحميل عبر النطاق العريض عبر الخطوط الثابتة (33.99 ميجابت في الثانية) و(31.39 ميجابت) في الثانية على التوالي.
ومع ذلك سعت الحكومة العراقية بالشراكة مع مقدّمي خدمات الإنترنت إلى تحسين إمكانية الوصول إلى الخدمة في جميع أنحاء البلد في السنوات الأخيرة.
أكبر مزوّد للخدمة خارج الخطة الحكومية
وعملت شركة (EarthLink) أكبر مزوّد لخدمات الإنترنت في البلد خلال وقت طويل مع الحكومة لتوسيع البنية الأساسية إلى المناطق الحضرية والريفية التي تعاني من نقص الخدمات، كما صرّح بذلك الرئيس التنفيذي للشركة علاء موسى بتاريخ (8 فبراير/ شباط 2024).
ومع ذلك لا يزال تطوير الاتصال في المناطق الريفية يشكل تحدياً كبيراً؛ لأن وزارة الاتصالات كانت بطيئة في تفعيل محطات توزيع الألياف الضوئية التي أنشأتها شركة إيرثلنك خلال فترة التغطية.
وبعدها قامت الشركة بتركيب نحو (800) محطة توزيع للألياف الضوئية، والتي من المفترض أن توفر إمكانية الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة إلى (600 ألف) شخص، بمجرّد أن تصبح جاهزة للتشغيل.
حصلَ (كلمة) على تفاصيل جديدة عن هذه الخدمة عبر تقرير للمعهد الوطني للإعلام نشره عام (2021)، فضلاً عن وخبراء مختصين في هذا المجال، وذكروا أن "البلد سبق وأن شهد إطلاق مشروع الإنترنت الوطني في (فبراير/ شباط 2021)؛ لتقديم خدمة عالية السرعة إلى الأجزاء التي تعاني من نقص الخدمة، وقد وصل عدد مشتركي الألياف الضوئية إلى المنازل الـ (FTTH) قرابة الـ (180 ألف مشترك)، وعملت الشبكة الوطنية على توسع الخدمة أكثر في المناطق الريفية في المحافظات بما في ذلك (بابل، ميسان، المثنى، النجف وذي قار).
مشاكل عدة تتسبب بضعف الخدمة
وفي الوقت الذي يؤشّر المختصون الخلل في ضعف البنى التحتية للاتصالات التي تؤثر سلباً على خدمات الإنترنت وتتسبّب بضعف هذه الخدمة، تحدّث أحد مزوّدي الخدمة في كربلاء (لم يذكر اسمه) لـ (كلمة) قائلاً: إن "أحد أسباب ضعف الخدمة يعود إلى نفوذ بعض الأحزاب السياسية وتأثيرها على قرار الحكومة المحلية، حيث تعمل الأولى لصالح شركات معينة أو بالضد منها".
وأكد بأن هذا الأمر "يؤثر على مزوّد خدمة الإنترنت من دخول المناطق السكنية وتقديم الخدمات أو بناء البنية الأساسية".
وأضاف بأنّ "جهات متنفّذة تقوم بتخريب البنى الأساسية لخدمات الإنترنت، وتطلب الرشاوى، لمنع الوصول إلى أطقم الإصلاح التابعة لها".
كما ذكرت صحيفة (ناشيونال نيوز) في تقرير لها نشرته بتاريخ (يوليو/ تموز 2023) أن "خدمة الإنترنت في العراق تتعرض للخطر؛ بسبب انقطاع التيار الكهربائي، ولا تزال أغلب المدارس والمكتبات لا تتمتع بإمكانية الوصول إلى الإنترنت على الإطلاق".
وأشار التقرير إلى أن "الضغط على شبكة الكهرباء وخاصة خلال أشهر الصيف الحار، يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي ومشاكل الاتصال خلال فترة التغطية".
وتمتد التأثيرات السلبية لانقطاعات الإنترنت إلى عامة الناس، حيث تؤثر الانقطاعات أثناء الامتحانات على جميع المستخدمين وليس الطلاب فقط. وبحسب بيان سابق لشركة إيرثلينك، فإن "الانقطاعات تؤثر بشكل كبير على جودة الخدمة المقدمة للمواطنين حتى بعد ساعات الانقطاع الرسمية؛ لأن التكنولوجيا تحتاج إلى (10 ساعات) أو أكثر حتى تستقر".
ويؤدي هذا بحسب إدارة الشركة إلى "ضعف اتصال المستخدمين بالإنترنت طوال فترة الامتحانات بالكامل".
ووفقاً لوزارة التعليم والبحث العلمي، فإن حلّ مشكلة انقطاع الإنترنت يعد أحد أولوياتها، كما تفيد التقارير أن الوزارة جربت طرقًا أخرى لمنع الغش.
ويذهب مختصون آخرون إلى القول: إنّ "من أسباب ضعف الإنترنت هو سيطرة الحكومة على الألياف الضوئية. حيث تقوم وزارة الاتصالات بتأجير البنية الأساسية للألياف الضوئية لمقدمي خدمات الإنترنت من القطاع الخاص".
وتعتبر الشركة العامة للمعلومات والاتصالات التابعة للدولة هي الكيان الوحيد الذي يملك الحق في امتلاك وتشغيل البنية الأساسية للألياف الضوئية، ولا يجوز لأي شركة أن تخطط لكابلات الألياف الضوئية دون موافقة الشركة العامة للمعلومات والاتصالات. ولذلك فإن هذه السياسة "تعمل على تثبيت الاستثمار وتسمح للحكومة بتقييد الوصول إلى خدمات الاتصالات بسهولة أكبر".
خطوات حكومية وأخرى للقطاع الخاص
في ظلِّ مساعي وزارة الاتصالات لتحسين هذه الخدمة المهمة، فقد أعلنت وزيرة الاتصالات هيام الياسري عن إطلاق خدمة الاشتراك المدعوم للإنترنت في عموم العراق، وإمكانية حصول كل مشترك على كامل الحزمة التي يختارها من دون نقص أو ضعف، بواقع (15 ألف دينار) لكل (100 جيجابت) و(30 ألف دينار) لكل (200 جيجابت) و(45 ألف دينار) لكل (300 جيجابت).
ويأتي هذا المشروع الجديد الذي طرحته الياسري، بعدما أدانت في وقت سابق خدمات شركة (إيرثلنك) التي كانت تعد المزوّد الأهم للخدمة في البلد، واعتبرتها في تصريحات صحفية لها بأنها "السبب الرئيس وراء تردي خدمة الإنترنت في العراق"، وبينت أن حينها "وزارتها عازمة على إيجاد منافسين للشركة التي تستحوذ على (80%) من السوق"، على حدّ تعبيرها.
وبناء على هذا الموقف الحازم من الوزيرة، فقد أعلنت الياسري بتاريخ (3 ديسمبر/ كانون الأول 2024) عن توقيع اتفاقية جديدة مع شركة (فودافون) العالمية؛ لإنشاء شبكة اتصالات جديدة بتقنية الجيل الخامس، والتي تكون مملوكة بالكامل للحكومة.
وذكرت الياسري أنّ "المشروع يهدف إلى تحسين جودة خدمات الاتصالات المقدمة للمواطنين، وخفض التكاليف، وزيادة إيرادات الدولة، وإدخال التكنولوجيا الحديثة"، مضيفة بأن "المشغّل الجديد سيوفر فرص عمل للشباب العراقيين ويسهم في تطوير مهاراتهم لإدارة الشبكة".
وتتضمّن الاتفاقية بحسب الياسري "إعداد المشغل للإطلاق، وتصميم الشبكات، وتقديم مقترحات تجارية، وخطط لنمو الأعمال، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم لمواصلة المناقشات حول الخدمات ونموذج الإدارة الأنسب".
ولكن مع ذلك، فقد رأى بعض المراقبين أن "تحرك الوزيرة نحو شركة جديدة لتزويد الخدمة، قد تتعلق بإبرام عقود جديدة" وحذروا حينها "من حصول شبهات فساد". وينتظر الكثير "ما ستقدم عليه الوزارة في المستقبل القريب لتثبت عكس هذه الادعاءات".
كما أنه على مستوى دعم الخدمة من قبل القطاع الخاص، تشجّعت شركة (عراق سيل) التابعة للعتبة الحسينية، لعقد شراكة مع وزارة الاتصالات، لطرح مشروع (الكيبل الضوئي)؛ بهدف إيصال الخدمة إلى عدد أكبر من المواطنين. وكانت نقطة البداية من محافظة كربلاء.
وفي معلومات خاصة حصل عليها (كلمة) من مدير الشركة المهندس مصطفى الشمري، ذكر أن "مشروع الكيبل الضوئي يعد أحد أبرز إنجازاتهم التي تحققت بالتعاون مع وزارة الاتصالات".
وتابع بأن "المشروع انطلق في الأساس عام (2021)؛ ويهدف إلى إيصال خدمة الإنترنت ذات السرعة والكفاءة العالية إلى المنازل".
بحسب الشمري فقد "غطّت الشبكة أكثر من (12 ألف) منزل في المحافظة، مع استمرار العمل لتغطية جميع الأحياء المسجلة البالغ عددها نحو (66 حياً سكنياً)".
وأوضحَ بأنّ "هذا المشروع يمثّل نقلة نوعية في تحسين جودة الإنترنت المنزلية"، مشيراً إلى أن "المشروع لا يقتصر على تقديم الإنترنت فحسب؛ بل يعدّ خطوة لتأسيس بنية تحتية حديثة تدعم الخدمات التكنولوجية المستقبلية".
وفي مجال المشاريع المبتكرة الهادفة إلى خدمة المواطنين وحل مشكلة ضعف الإنترنت، تستعد (عراق سيل) لطرح مشاريع جديدة، وخصوصاً في المناطق النائية، التي تفتقر إلى أبراج الإنترنت أو البنية التحتية الملائمة.
ومن هذه المشاريع كما بيّن الشمري "مشروع (الإنترنت الفضائي) الذي يهدف إلى توفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية؛ ليكون مصدراً إضافياً يغطي احتياجات المناطق التي يصعب وصول الكيبل الضوئي إليها".
أما المشروع الثاني فهي (خدمة الشرائح) التي "توفّر بطاقات اتصال بتكاليف مدعومة تتيح خدمات مميزة للمواطنين".
معالجات ضرورية لتحسين الخدمة
في الوقت الذي اعتبرَ فيه المختص بشبكات الإنترنت أحمد الشمري، مشكلة ضعف الخدمة أمراً مفتعلاً ومقصوداً؛ بهدف بيع سعات الإنترنت على مواطنين أكثر وجني أرباح أكثر تدخل إلى جيوبهم على حساب المواطنين، يؤكد أن الحل الأخير يكمن في مدى إسهام وزارة الاتصالات بوضع المعالجات الموضوعية.
كما يطرح معالجات ممكنة التطبيق ومنها "خفض سعر السعات، ومراقبة بيعها للمستخدم، مع ضمان عدم بيع نفس الحزمة لأكثر من مستخدم".
فيما دعا آخرون إلى "ضرورة القضاء على حجم الفوضى في هذه الخدمة، ومحاسبة المسؤولين عن سوء الخدمات، وعدم السماح بإفلاتهم من العقاب".