الجمعة 2 رَجب 1446هـ 3 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
معاهدة السلام مع إسرائيل على المحك: هل تستعد مصر لسيناريوهات الحرب والنزوح؟
خاص ـ كلمة | سراج علي
2024 / 12 / 29
0

بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي لعدد من المدن السورية في أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد من قبل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، ظل السؤال الذي يدور في بالِ الكثيرين: من التالي؟

وفي ظل هذه المخاوف من توسّع إسرائيلي في المنطقة وهو ما لا تخفيه تل أبيب في الأساس، اتخذت مصر تكتيكات عسكرية في وقت مبكّر من ذلك، وخصوصاً بعدما وقع تبادل لإطلاق النار بين القوات المصرية والإسرائيلية في أواخر شهر (مايو/ أيار) من هذا العام، على طول الحدود بين سيناء وغزة، مما أدّى إلى مقتل أحد حرس الحدود المصري.

ولم يكن لمثل هذا الحدث أن يمرّ دون تحرّكات مصرية سريعة، حيث تؤكّد ووسائل إعلامية تابعها (كلمة) أن مصر عزّزت مؤخراً من وجودها العسكري في سيناء، وهو ما اعتبرته حكومة تل أبيب انتهاكاً لمعاهدة السلام التي وقعتها مع القاهرة عام (1979).

وقّعت مصر وإسرائيل معاهدة السلام، بعد أربع حروب بين البلدين، وبعد أن نجحت مصر في تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.

وزعمَ السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة (ديفيد جوفرين) أن مصر "تزيد من تعزيزاتها العسكرية في سيناء" واعتبره انتهاكاً "لاتفاقية السلام الموقعة بينهما في عهد الرئيس المصري أنور السادات".

وقالَ جوفرين، الذي شغل منصب السفير الإسرائيلي في القاهرة للفترة من (يوليو/ تموز 2016 إلى مايو/أيار 2019): إن "مصر ترسل قوات إلى سيناء أكثر من المنصوص عليه في ملحق المعاهدة".

وحذّر في مقابلة مع موقع (واي نت) الإخباري العبري، من أن مصر "تستثمر مبالغ ضخمة في الحشد العسكري، حتى في الوقت الذي لا تهدّدها فيه أي دولة أخرى، ورغم ظروفها الاقتصادية الصعبة" بحسب قوله.

كما أفادت وسائل إعلامية بينها صحيفة (العربي الجديد): أنّ "دبابات الجيش المصري أخذت تنتشر على طول الحدود مع قطاع غزّة منذ (4 يوليو/ تموز 2024) في منطقة العريش الواقعة شمال شبه جزيرة سيناء" وبينت بأن "الانتشار العسكري يأتي وسط استمرار الحرب الإسرائيلية ضد حماس في الأراضي الفلسطينية".

وقد تعود تصريحات الدبلوماسي الإسرائيلي بحسب المحلل السياسي ميخائيل سامح إلى "مواقف سلبية سابقة تعرّض لها بعد تقديم أوراق اعتماده، حيث تفيد وسائل الإعلام بأن "جوفرين اضطر إلى العودة إلى وطنه مع طاقم سفارته الصغير بسبب تهديدات أمنية طالته بعد ستة أشهر من تقديم أوراق اعتماده".

وتضيف أنه "لم يتمكّن من العودة إلى العاصمة المصرية إلا بعد ثمانية أشهر".

ويأتي تصريح جوفرين أيضاً بحسب ما أدلى به سامح لـ (كلمة) في الوقت الذي "نجحت فيه مصر بدحر عصابات داعش الإرهابية، التي أرادت إنشاء إمارة لها في الأراضي المشتركة على الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة، وعلى امتداد قناة السويس".

كانت معركة مصر ضد تنظيم ما يعرف بـ "الدولة الإسلامية" داعش الإرهابي في سيناء صعبة للغاية لدرجة أن الجيش والشرطة المصريين استغرقا ما يقرب من عقد من الزمان للقضاء على الجماعة، التي كانت في الأصل حركة محلية أعلنت الولاء لخليفة داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي في (نوفمبر/ تشرين الثاني 2014).

تفاصيل المعاهدة المصرية الإسرائيلية

وينقسم الملحق العسكري لمعاهدة سيناء إلى عدة مناطق أمنية محددة، ويحدد عدد القوات التي تستطيع مصر نشرها في كل من هذه المناطق.

وهذا يفرض أيضاً على مصر وإسرائيل نشر عدد محدود من القوات على طول حدودهما المشتركة.

ومع ذلك، وافقت إسرائيل على طلب مصري بتعزيز الأمن في سيناء وزيادة عدد القوات فيها، وكذلك استخدام المعدات العسكرية المحظورة بموجب الملحق العسكري لمعاهدة السلام، وذلك من أجل تكثيف جهودها في مواجهة مخاطر داعش الإرهابية.

في (مارس/آذار 2023)، كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه بصفته رئيسا للمخابرات العسكرية في عام (2011)، "كُلف من قبل وزير الدفاع آنذاك محمد حسين طنطاوي بالاتصال بالإسرائيليين وطلب زيادة عدد القوات المنتشرة في سيناء".

وقال السيسي في خطاب عام: إن "الإسرائيليين طلبوا فقط بعض المعلومات عن عدد القوات التي سيتم إرسالها إلى سيناء" .

وفي عام (2017)، كشف الرئيس المصري أن مصر "نشرت (41 كتيبة عسكرية) في سيناء، أو (25 ألف جندي) في المجموع، كجزء من القتال ضد مسلحي داعش في المنطقة".

الانتهاكات الإسرائيلية

ويبدو أن مصر عزّزت وجودها العسكري في سيناء بشكل أكبر مع تكثيف إسرائيل لهجومها على قطاع غزة، في أعقاب الهجمات التي شنتها حركة حماس في (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023) على "كيبوتسات" في جنوب إسرائيل.

وكان هذا الحشد العسكري المصري "ملحوظاً بشكل خاص بالقرب من الحدود مع غزة".

في حين كانت الجولة التي قام بها رئيس أركان الجيش المصري على المنطقة الحدودية في (سبتمبر/ أيلول 2024) قد ألقت الضوء على هذا الحشد.

ويأتي هذا الوجود العسكري الموسع على طول الحدود مع غزة، في الوقت الذي تستعدّ فيه مصر لتدفق سكان غزة إلى سيناء، وسط خطط إسرائيلية لإخلاء غزة وتشريد نحو (2.4 مليون نسمة) من سكانها إلى سيناء، كما يفيد صحفيون ومراقبون.

في حين يردّ خبراء عسكريون في القاهرة على تل أبيب ويؤكدون في أحاديث متفرّقة أن "إسرائيل هي الطرف الذي ينتهك شروط السلام مع مصر باحتلالها لممر فيلادلفيا"، وهو امتداد من الأرض يمتد على جانب غزة من البحر الأبيض المتوسط في الغرب إلى الحدود الإسرائيلية في الشرق على طول الحدود المصرية مع غزة.

ويؤكد اللواء المتقاعد في الجيش المصري نصر سالم في تصريح للصحيفة تابعه (كلمة): أن "مصر أثبتت التزامها بمعاهدة السلام مع إسرائيل في كافة المناسبات" .

وأضاف "في حالة وجود تهديدات لأراضيها، فإن مصر لديها الحق في تعزيز وجودها العسكري حيثما ترى ذلك مناسباً".

وفي وقت سابق، تحرّكت قوات إسرائيلية لاحتلال الممر والجانب الفلسطيني من معبر رفح على الحدود مع مصر في (مايو/ أيار) هذا العام، ضمن خططها لتشديد الخناق حول حماس في جنوب غزة.

وتقول تل أبيب: إنّ "احتلال الممر يخدم خطتها للقضاء على تهريب الأسلحة المزعومة إلى غزة".

وحينذاك توقّع العديد من المراقبين أن العلاقات القائمة منذ فترة طويلة بين إسرائيل ومصر أضحت على "وشك الانهيار".

وبعد أن شرعت القوات الإسرائيلية أخيراً في التوغل البري في منطقة رفح الحدودية في السابع من مايو/أيار، كان رد الفعل العام في القاهرة سريعاً وغاضباً.

وتابع (كلمة) نقلاً عن صحيفة (ذي إسرائيل تايمز) المعارضة لتل أبيب، تصريحات لمسؤولين مصريين لم يكشفوا عن هوياتهم للصحفيين ذكروا فيها: إن "الهجوم الإسرائيلي قد يعرض معاهدة السلام الموقعة بين البلدين للخطر".

كما نقلت صحيفة (هآرتس) اليومية عن مسؤول إسرائيلي لم يكشف عن اسمه قوله الذي ترجمه (كلمة): إن "الوضع الحالي في التعامل مع مصر هو الأسوأ منذ بدء الحرب".

وبعد ذلك أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً أعلنت فيه أنها ستنضم إلى قضية "الإبادة الجماعية" التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

واحتجّت مصر كذلك، متهمة إسرائيل بانتهاك اتفاق عام 2005 الذي يعطي السلطة الفلسطينية الحق في مراقبة الممر.

وقد تم توقيع الاتفاق في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة عام (2005).

السلام البارد والمترجح

وبالإضافة إلى الدعوة إلى معالجة القدرات التي تبنيها مصر وعدم الاعتماد على تفسيرها لنوايا أو مصالح الدولة العربية في الوقت الحاضر، ألقى جوفرين في المقابلة السابقة، الضوء أيضاً على السلام البارد بين بلاده وجارتها العربية الجنوبية.

وأضاف أن "نظرة المصريين إلى الإسرائيليين تتسم بالتنافر والتناقض".

وكانت مصر أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل، وهي الخطوة التي دفع الرئيس المصري الراحل أنور السادات ثمنها بحياته بعد عامين.

ومنذ ذلك الحين، تعمل القاهرة وتل أبيب جاهدتين لجعل هذا السلام عملياً وحيوياً؛ باعتباره حجر الزاوية للأمن الإقليمي، ومع ذلك اتسم بالبرود حيناً والتأرجح والمماطلة حيناً آخر.

وفي إزاء ذلك، يرى محللون سياسيون أنّ إسرائيل ستبقى معادية سواء أكان لمصر أو لغيرها من دول المنطقة، وهو ما يؤدي باستمرار إلى تصاعد الخطاب المناهض للعرب في الشارع الإسرائيلي وخصوصاً بين أطراف اليمين المتطرّف الذي يقود حكومة تل أبيب.

ويرجع المحلل السياسي سمير غطّاس ذلك إلى "تاريخ العداء بين البلدين، والعداء بين إسرائيل والعرب بشكل عام".

وقال غطّاس، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية، لوكالة الأنباء التونسية: إن "مصر وإسرائيل خاضتا أربع حروب ضد بعضهما البعض، ولا يوجد بيت في مصر لا يوجد فيه أحد قاتل في هذه الحروب".

وأضاف أن "هذه الحروب تركت ذكرياتٍ مريرةً لدى المصريين، ما جعل هذه الفجوة مع إسرائيل قائمة حتى الآن".

آراء أخرى محتملة

وتتبّع (كلمة) أيضاً ما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية، التي اعتبرت أن "التصريحات الغاضبة لمصر ضد إسرائيل لا تشير إلى انقطاع وشيك في العلاقات؛ بسبب المصالح طويلة الأمد مع الأخيرة". مستدركة بأنها "تعكس في الوقت ذاته مخاوف مصر العميقة إزاء استمرار الحرب بين إسرائيل وحماس، وما قد يأتي بعدها" على حدّ قولها.

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي لازار بيرمان في مقال له ترجمه (كلمة) أن "سلوك مصر مدفوع بمصالح أساسية ــ اقتصادية، وأمنية، وإقليمية ــ تنوي حمايتها وسط القتال في غزة".

واشار إلى أن مصر "تعاني من تداعيات اقتصادية عميقة نتيجة للصراع. فحتى قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان الاقتصاد المصري في حالة انحدار مستمر. فقد تسببت الديون المتزايدة في دفع البلاد إلى خفض الخدمات الاجتماعية والدعم الأساسي على مدى العقد الماضي، كما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 إلى قطع مصادرها الرئيسية لواردات القمح"، مبيناً أن القاهرة "اضطرت مباشرةً إلى خفض قيمة الجنيه؛ من أجل الحصول على قرض حاسم من صندوق النقد الدولي، ولا تزال معدلات التضخّم المرتفعة مستمرة في الارتفاع".

فيما يطرح الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب في حديث له ترجمه (كلمة) تفاصيل أخرى عن هذه الأزمة، موضحاً أن "مصر منذ أو وقّعت معاهدة السلام مع إسرائيل، أصبح حكامها عرضة لانتقادات الدول المعادية للغرب وأنصار الإخوان المسلمين في الداخل، والتي تتهمهم بالتعاون مع العدو الصهيوني".

وأشار إلى أن "هذه الحساسية هي التي تقف وراء دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى حث المصريين على النزول إلى الشوارع للاحتجاج ضد إسرائيل حتى قبل أن تبدأ توغلها البري في أواخر (أكتوبر/تشرين الأول)".

في حين يرى الباحث البارز في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب بجامعة رايخمان مايكل باراك أن "مصر ترى أن هذه فرصة ذهبية للاستفادة من الأزمة الحالية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية".

وأضاف باراك في تحليل له اطلع عليه (كلمة) أن "مصر تحاول أيضا تعزيز صورتها في العالم العربي، وهذا يعني أن مصر مهتمة بإرسال إشارة إلى الولايات المتحدة بأنها حليف بالغ الأهمية في المنطقة وأنها قادرة على جلب إسرائيل وحماس إلى طاولة المفاوضات، والمساعدة في التوصل إلى وقف إطلاق النار".

واعتبر أيضاً بأن "مصر قد أرسلت أيضاً إشارات واضحة بأنها لا تخطط للقيام بأي عمل جذري ضد إسرائيل" حتى في ظل تحركاتها العسكرية.



التعليقات