في ظهيرةٍ من نهارات مدينة صعدة اليمنية، رحل زعيم الحركة الحوثية التي أصبحت فيما بعد تُعرف بحركة "أنصار الله" حسين بدر الدين الحوثي، بعد اغتياله بأوامر أمريكية بتاريخ (10 سبتمبر/ أيلول 2004)، ومباشرةً سد فراغ هذه الرحيل أخوه عبد الملك الحوثي ذو الـ (25 عاماً)، وأعلن استمرار جهاد أخيه ضد الولايات المتحدة، واستمرّ به الحال حتى يومنا هذا، حيث صارَ رقماً صعباً ولاعباً رئيسياً في اليمن، واستطاعَ مع حركته أن يصل إلى عمق تل أبيب الإسرائيلية ويهدّد حكومتها في عقر دارها.
طوال (20 عاماً) مضت، كانت تحرّكات الحوثيين ضدَّ "الحكومة اليمنية غير الشرعية" كما يراها غالبية الشعب اليمني من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فيما بعد، ترسمُ ملامح هذه الحركة وزعيمها الجديد المولود في العام (1979).
وفي السنوات الست الأولى من سطوع نجم "عبد الملك" خاض الحوثيون بقيادته "حرب عصابات فعالة" كما يقول المراقبون، وخصوصاً في محافظاتهم الجبلية، ولكن بعد العام (2010) تحوّلوا إلى الكيان العسكري الأكثر قوةً في البلاد.
اعتبرت الولايات المتحدة والتحالف الدولي بقيادة السعودية إلى جانب إسرائيل، أن هذه الحركة المشابهة في تأسيسها وأفكارها وأهدافها لـ "حزب الله اللبناني" خطر يهدّد مصالحهم في المنطقة، خصوصاً وأنهم استطاعوا السيطرة على أكبر ثلاث محافظات يمنية، وسرعان ما نشروا أسلحة متقدمة لم يسيطروا عليها من قبل، بما في ذلك العديد من الأسلحة الإيرانية المنشأ.
في تقرير أعدّه معهد الدراسات السياسية الدولية عن حركة أنصار الله الحوثيين، باللغة الإنجليزية وترجمه موقع (كلمة)، ذكر أن "أنصار الحركة انتقلوا من استخدام كمائن الأسلحة الصغيرة إلى الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، وذلك في نصف عقد من الزمان فقط"، وشيئاً فشيئاً حتى صار إسرائيل ذاتها تخشى هذه الحركة، ولم تشن حتى الآن حرباً واسعة النطاق عليها على غرار حربها ضد حزب الله في لبنان وحماس في غزة.
ولكن يمكن من خلال التتبع التاريخي للأعمال العسكرية التي قامت بها الحركة، معرفة مدى قوّتها وقدرتها على المواجهة في ظل أقسى الظروف وأصعب التحديات.
وبحلول عام 2010، تمكنت الحركة من قتال الحكومة اليمنية حتى شل حركتها في أربع محافظات، والاستيلاء على مدن استراتيجية والاحتفاظ بها، وإجبار ألوية محاصرة بأكملها على الاستسلام، ونحت موطئ قدم تكتيكي داخل مستوطنات الحدود السعودية.
وبحسب التقرير السابق، يمكن القول: إن هذا التحول التطوري كان يرجع إلى حد كبير إلى التكتيكات غير المنتجة للحكومة اليمنية، بالإضافة إلى التحسينات التدريجية في الصفات العسكرية التقليدية لرجال القبائل اليمنية الشمالية.
ولم يكن عدد المنتمين للحركة حتى حادثة اغتيال حسين الحوثي سوى بعض مئات، ولكن منذ العام (2005) فصاعداً، ازداد عدد المقاتلين، وخصوصاً بعد تحالف عدد من العشائر معهم، وكانت حركة الحوثي في وضع جيد لاستيعاب وتشكيل هذا التدفق من الحلفاء؛ بسبب العلاقات الاجتماعية المتقاطعة المذكورة أعلاه والتي تطورت قبل عام 2004، ولا سيما عشرات الآلاف من الشباب الذين تم إرسالهم من خلال معسكرات الشباب المؤمن الصيفية والبرامج الاجتماعية أو التعليمية.