الأربعاء 17 جمادى الآخرة 1446هـ 18 ديسمبر 2024
موقع كلمة الإخباري
"زعيم منفتح" أو "متطرّف براغماتي".. هكذا يُظهر الجولاني نفسه للعالم
بغداد ـ كلمة الإخباري | سراج علي
2024 / 12 / 10
0

يشبهُ وقوف زعيم هيئة تحرير الشام - الجناح العسكري للمعارضة السورية التي أطاحت بالرئيس السوري بشار الأسد، في الجامع الأموي وبين مرافقيه، بعودة الحياة لفرعون قديم أو وحش كاسرٍ كان ينتظر الفرصة السانحة ليخرجَ من العالم السفلي إلى الحياة من جديد.

ظهرَ أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) محاطاً بمرافقيه وأتباعه في الجامع الأموي في دمشق الذي يعود تاريخ لـ (1300 عام)، مذكّراً بأسلافه الذين حكموا دمشق لسنوات طويلة، ولكنّ حكموها بالحديد والنار.

ومع ذلك يحاول هذا الرجلُ أن يظهرَ بالشخصية المتزنة وغير المتزمّتة مع الكلام الهادئ غير المتشنّج، في لقاءاته التلفزيونية وكلمته التي بثّها بعد الإطاحة بالنظام السوري. وهو عكس ما عُرِف عن زعماء الفصائل والجماعات المسلّحة والعصابات الإرهابية.

فقبل نحو (10 سنوات) ظهرَ مثله زعيم عصابات داعش الإرهابية أبو بكر البغدادي في الجامع النوري بمدينة الموصل، ولكنّه ظهر بــ "زِيّهِ الديني وفكره المتطرّف".

في حين يصرّ الجولاني الذي اختلف فيما مضى مع البغدادي، بأنّ يظهر نفسه بأنه رجل منفتح يحمل "مشروع دولة" وليسَ انتهاج حكم متطرّف ومتشدّد كما حصل في أفغانستان بعد صعود حركة طالبان للسلطة.

وفي حين التزم البغدادي بزيّه الديني، تخلّى الجولاني حتى عن العمامة التي كان يرتديها، وتحوّل نحو الزيّ العسكري (خلال المواجهات) ومن ثم الزي المدني (بعد تغيير النظام).

وحتى في لقائه مع رئيس الوزراء السابق محمد جلالي أثناء تسليم مقاليد السلطة لرئيس الحكومة الانتقالية محمد البشير، جلس مع الاثنين بهدوء تام، ولكنّه في الوقت ذاته يعبّر عن "شخصية رجل غامض" لا يُعرف له قرار.

ويقارن الصحفي حسون الحلفي بين هيئة تحرير الشام في سوريا وطالبان في أفغانستان، ويرى في حديثه لـ (كلمة) أنّ "طريقة الجماعتين متقاربتان حتى وإن ادعيتا حرصهما على تأسيس دولة جديدة".

وقال: إنّ "الجولاني يريد أن يظهر أنه شخص مختلف تماماً عن البغدادي والظواهري والأخوندزاده وغيرهم من زعماء الجماعات والحركات المتطرّفة"، مضيفاً بأنّ "ذلك لا يعني أن الرجل قد تخلّى عن الأفكار ذاتها والعقيدة الأموية التي يشتركون باعتناقها".

ولكن يرى في الوقت ذاته بأن "تحرّكات الجولاني قريبة من تحركات طالبان، وخصوصاً في تصفية الخصوم وضباط الأمن كما فعلت طالبان بعد صعودها للسلطة، حيث تعتبر أن ولاء هؤلاء للنظام السابق وليس للوطن".

فيما يعقدُ الصحفي حيدر الجبوري مقارنة أوسع بين "البغدادي والجولاني" ويقول لـ (كلمة): إنّ "البغدادي حالة مشابهة لزعماء الجماعات المسلّحة ولم يخرج عن دائرتها على مستوى الخطاب وحتى اللباس، أما الجولاني فهو حالة متطوّرة لشخصية الزعيم المتطرّف الذي يعلن شيئاً ويخفي شيئاً آخر".

ويتابع، بأنّ "البغدادي أعلن تنصيب نفسه خليفة على المسلمين في كل العالم، وبدأ خطابه من الجامع النوري بخطبة الحاكم الراشدي الأول أبو بكر الصديق، في حين لم يعلن الجولاني الآن وفي أي وقت مضى عن تحوّله لخليفة؛ وإنما ركّز على تغيير النظام السوري فقط وفرض السيطرة على داخل البلاد وليس خارجها".

كما أنّ هذا الظهور "المنفتح" كما يرى البعض للجولاني، ركّزت عليه الولايات المتحدة الأمريكية، واعتبرته تغيّراً في منطق المعارضة وهيئة تحرير الشام التي سبق وأن صنّفتها على قائمة الإرهاب العالمي.

ونعرف مثل هذا الموقف من خلال وزارة الخارجية الأمريكية التي صرّحت، اليوم الثلاثاء، قائلةً: إنّ "هيئة تحرير الشام تستخدم الكلمات الصحيحة، لكن سنحكم عليها من أفعالها". وهو ما يشيرُ إلى أنّ "الجولاني يستخدم منطقاً مغايراً عن كل من سبقوه من زعماء العصابات الإرهابية"، كما يقول الجبوري.

وهو الرأي ذاته بالنسبة لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون الذي صرّح اليوم قائلاً: إن "هيئة تحرير الشام أرسلت حتى الآن رسائل إيجابية إلى السوريين"، مضيفاً "أعتقد أن المجتمع الدولي سيعيد النظر في مسألة تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية".

كما يشير آخرون إلى أنّ الجولاني تحول في خطابه وآرائه من التطرّف إلى "البراغماتية" أو بـ "نوع من الاعتدال" في خطواته المبكرة من الإطاحة بالأسد.

ويقول المتخصص في المجموعات الإسلامية في سوريا توما بييريه، في تصريح لـ (وكالة فرانس برس) وتابعه (كلمة): إنّ الجولاني "أصبح متطرفاً براغماتياً".

وفي إزاء ذلك، يظهر رأي مختلف تماماً عن الآراء السابقة، فقد عدّ أستاذ التاريخ بجامعة حلوان المصرية، الدكتور عاصم الدسوقي أنّ "اختيار الجامع الأموي من قبل الجولاني له دلالة دينية".

وقال الدسوقي في تصريح صحفي تابعه (كلمة): إن "هذا الظهور يمثل خطاب التيار السنّي في مواجهة الشيعة والأكراد والدروز" على حدّ قوله.



التعليقات