الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي كاتبها
عندما كنت أشتري القهوة من مقهى يملكه رجل سوري في المملكة المتحدة يوم الأحد، سألته عن رأيه بشأن الأخبار التي تفيد بأن الدكتاتور طويل الأمد بشار الأسد قد أُطيح به من السلطة.. رد بتفاؤل قائلاً إنه هو و7 ملايين سوري فروا خلال الحرب الأهلية يتوقون للعودة إلى الوطن.
تشير التقارير إلى أن الأسد وأسرته فروا إلى روسيا، مما أتاح للسوريين حرية التجول في قصره الرئاسي وإسقاط تماثيل حافظ الأسد، والد بشار، الذي حكم البلاد أيضاً بقبضة من حديد.
لكن سوريا الآن مجزأة إلى مناطق تسيطر عليها فصائل مسلحة مختلفة، تلقت بدرجات متفاوتة دعماً من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة ودول الخليج وإسرائيل، وسيستمر دعم هذه الفصائل المسلحة من القوى الدولية الكبرى التي تسعى لضمان الحفاظ على مصالحها الإقليمية.
أقوى جماعة متمردة هي “هيئة تحرير الشام” (HTS) التي سيطرت انطلاقا من قاعدتها في محافظة إدلب الشمالية الغربية، على حلب في أواخر نوفمبر، ثم على حماة وحمص ولاحقاً على العاصمة دمشق جنوباً.
تأسست الهيئة عام 2011 كفرع لتنظيم القاعدة، بمشاركة مباشرة من زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي في تشكيلها وكانت تُعرف سابقاً باسم جبهة النصرة، لكنها انفصلت عن القاعدة في عام 2016 واندمجت مع ميليشيات أخرى لتشكيل تنظيم جديد تحت اسمها الحالي.
تم تطهير الهيئة من العناصر الأكثر تطرفاً فيها، حتى أنها اعتقلت أفراداً مرتبطين بالقاعدة في المناطق التي تسيطر عليها ولم تدعُ إلى تأسيس خلافة عالمية في محاولة لـ”سورنة” التنظيم، بل ركزت على إسقاط الأسد وطرد الميليشيات الإيرانية التي تعتبرها تهديداً لتنظيمها وتزيد من خطر التعبئة الطائفية بين السوريين.
استغلت الهيئة وقف إطلاق النار لعام 2020 بين تركيا وروسيا لتأسيس هيكلها التنظيمي وبناء جهودها في الحكم، مع بعض الدعم من تركيا في شكل أسلحة وطائرات بدون طيار.
التداعيات الإقليمية
كان دعم تركيا للفصائل المتمردة مثل هيئة تحرير الشام حاسماً في الهجوم الأخير.
منحت أنقرة الفصائل الضوء الأخضر للقيام بهجومها بعد أن رفض نظام الأسد جهودها لتطبيع العلاقات ومن المحتمل أن تصبح تركيا الفاعل الأجنبي الأكثر نفوذاً في سوريا بالنظر إلى نجاح الهجوم.
مع استقبال تركيا لعدد من اللاجئين السوريين أكثر من أي دولة أخرى، ستكون حريصة على تمكين السوريين من العودة إلى وطنهم، لكن اهتمامها الرئيسي في سوريا يتمثل في القضاء على القوات الكردية في الشمال، حيث يعمل حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وهو فرع من حزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور، كما ستسعى أنقرة لضمان أن تكون أي حكومة تظهر في سوريا ودية تجاه تركيا وليست إيران.
أما بالنسبة لإيران، فإن الإطاحة بالأسد تُعتبر خسارة كبيرة، فقد فقدت جسراً برياً إلى شرق البحر المتوسط، وقاعدة مهمة لوكلائها مثل حزب الله، ومساراً لنقل الأسلحة إلى لبنان.
فقدان العمق الاستراتيجي لإيران في سوريا سيضعف قدرتها على دعم حزب الله في وقت يواجه فيه الحزب ضعفاً شديداً نتيجة صراعه مع إسرائيل.
الخسارة كبيرة أيضاً بالنسبة لروسيا حيث دعمت موسكو الأسد بإرسال آلاف الجنود الروس في عام 2015 وشن غارات جوية وحشية على الفصائل المتمردة والبنية التحتية المدنية في سوريا، لكن انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا وعدم قدرتها على تقديم الدعم المطلوب للأسد أدى إلى فشل مشروعها في الشرق الأوسط بشكل مدوٍ.
إعادة بناء الدولة السورية
بالنسبة لمستقبل سوريا، فشلت الجهود الدولية في تحقيق سلام دائم فعندما حاولت تركيا وإيران وروسيا إجراء محادثات سلام في كازاخستان عام 2017، كانت النتيجة جموداً سياسياً، ولا تزال البلاد مقسمة جغرافياً بين فصائل مختلفة.
في الواقع، ليست هيئة تحرير الشام الفصيل القوي الوحيد في مجموعة المتمردين حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (SDF) التي يقودها الأكراد حالياً على الشمال الشرقي وقد استغلت انهيار الجيش السوري للاستيلاء على مدينة دير الزور الصحراوية الرئيسية.
إذا استمرت في تلقي الدعم الأمريكي، ستكون قوات سوريا الديمقراطية مصممة على الحفاظ على هذه المكاسب الإقليمية وقد أعرب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن عن التزامه بمواصلة هذا الدعم، مما أثار استياء تركيا التي تعتبر قوات سوريا الديمقراطية جماعة إرهابية.
هناك أيضاً “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، والذي جمع عدة مجموعات مسلحة في عام 2017 وسيطر على أجزاء من شمال غرب سوريا.
الجيش الوطني السوري ليس متماسكاً أو مركزياً، وغالباً ما تصارعت مجموعاته المختلفة مع بعضها البعض، لكنه لا يزال لاعباً رئيسياً في سوريا، وسيهدف إلى إنشاء منطقة عازلة بالقرب من الحدود التركية لمنع تهديد الميليشيات الكردية لتركيا.
لم تعد روسيا وإيران الفاعلين الرئيسيين في سوريا، لكن إذا فشلت الفصائل المتمردة في بناء حكومة انتقالية متحدة ومستقرة، فإن أطرافاً أخرى ستتحرك بسرعة لملء الفراغ وسيكون من الضروري أن يعيد السوريون، سواء العائدون منهم أو الذين لم يغادروا، بناء دولتهم الجديدة بشروطهم الخاصة.