طوالَ الحرب الإسرائيلية الدائرة على غزّة وإلى أقل من أسبوعين، كانت قناة الجزيرة القطرية تحقّق مساحات كبيرة واهتماماً من قبل المتابعين لنشراتها وتغطياتها الإخبارية؛ فقد أظهرت على ما يبدو تعاطفاً شديداً مع الأزمة الفلسطينية.
ولكنَّ التعاطف الظاهري أشبه ما يكون بـ (مزاجية زوجة الأب) التي تنقلب رأساً على عقب في لحظة واحدة، وهو ما حصل الآن مع الجزيرة، التي أرادت أن تظهر تعاطفها مع المدنيين في غزّة وتندّد بالحرب الإسرائيلية، في حين تقف الآن بالضد مما يجري في سوريا من "قتل وتشريد للمدنيين الأبرياء"، وتبرّر أفعال الإرهابيين.
الجزيرة التي تمتلك من الخبرات الإعلامية والإمكانات الهائلة ما لا تمتلكها حتى قنوات فضائية عالمية مشهورة، ولكنّها في الوقت ذاته يمكن أن تتخلّى عن المهنية والأخلاق الصحفية؛ نسبةً لنوع التعاطي السياسي بين المالكة (قطر) والدول الأخرى.
فــ (قطر) التي تتوّج تقدّمها إعلامياً من خلال قناتها الفضائية، تنظر للأطفال في غزّة على أنّهم ضحايا حرب شرسة، أما بالنسبة لأطفال سوريا الذين يتعرضون مع عائلاتهم للقتل والتشريد؛ بسبب استفحال الجماعات الإرهابية.. فهؤلاء يوصفون بأنّهم "أبالسة" أو "كائنات" لا تستحق العيش والحياة.
كما أنَّها حاولت قدر ما تستطيع أن تسمّي قتلى غزّة على حقيقتهم بلا رتوش وبوصفهم "شهداء"، في حين تسمّي الجماعات المسلّحة التي تقاتل الجيش السوري بـ "المعارضة"؛ لتكسبهم شرعية.
يظهر من خلال هذا التعاطي المتناقض من قبل قناة لها ثقلها وجمهورها العربي والعالمي، أنّ السياسة هي من تقود الإعلام وتجعل منه أداةً لتنفيذ أجنداتها وإيصال رسائلها.
ولم يعد خافياً اليوم أنّ من تسمّيهم الجزيرة بـ "المعارضة السورية" هم في الحقيقة "مسلّحون وإرهابيون وقطّاع طرق" انقلبوا على بلادهم تنفيذاً لأطماع غربية، وهؤلاء أنفسهم الذين يقاتلون جيشَ بلادهم يتلقّون الدعمَ المادي والعسكري من الحركات الإخوانية والسلفية التي تدعمها طبعاً "حكومة الدوحة" ومن بعدها "حكومة أنقرة".
هذه هي "الجزيرة" التي أرادت القول: إنها لا تجامل إسرائيل في حربها على غزّة.. ولكنّها في الوقت ذاته راحت تصفّق لـ "كلاب إسرائيل" في سوريا من "هيئة تحرير الشام" وأخواتها.
ولكن لا يمكن لمثل هذه "الحيل الإعلامية" أن تنطلي على المتابعين والمتلقّين لرسائلها.. فلسان حالهم يقول: "عادت الجزيرة بنتُ حليمة لعادتها القديمة".