قبلَ عامين فقط اتجه العراق بشكل واضح إلى تقوية منظومة دفاعه الجوي؛ لدفع أي خطر محتمل، في ظل تعدد أساليب الحرب الجديدة التي تخوضها الدول وحتى الجماعات الإرهابية باستخدام "الطيران المسيّر".
ولأكثرَ من عقدين، كان البلد يفتقر لمنظومة دفاع جويّ متطورة للتصدي للخروقات الجوية، وكان يعتمد إلى درجة كبيرة على منظومات أمريكية وأخرى روسية قصيرة المدى.
وفي شهر تموز 2022، أعلنت وزارة الدفاع عن تعاقدها مع شركات فرنسية وأميركية للحصول على رادارات متطورة للكشف العالي والمتوسط والمنخفض؛ في سبيل تعزيز القدرات الدفاعية وحماية أجواء البلد وفرض ما يُعرف بـ "السيادة الجوية".
ويأتي هذا التحرّك العراقي، بعد عامين من الضربة الأمريكية التي استهدفت قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، في العاصمة بغداد، وعُرفت إعلامياً باسم "حادثة المطار".
وحتى إعلان الوزارة للتعاقد على شراء "الرادارات المتطوّرة"، أكّد خبراء أمنيون أن "منظومات الدفاع الجوي المتوفرة لا تتناسب مع مساحة البلاد، والتطور الحاصل في الجانب العسكري".
ويأتي الحديث عن أهمية تطوير البنية الدفاعية الجوية، والمنظومات الحديثة في البلد؛ في ظل تصاعد التهديدات الأمنية آخرها، التهديد الإسرائيلي إبان حربه على غزّة ولبنان، والتهديدات التركية من جانب ثانٍ، ومن ثمَّ ما يحصل في المشهد السوري الآن.
وفي (29 آب الماضي)، أعلن العراق لأول مرّة استخدام منظومة الدفاع الجوي لإسقاط هدف مجهول، وفقاً لإيجاز قدّمه مصدر عسكري مطلع وتابعه (كلمة) الإخباري.
وذكر المصدر أن "منظومة (بانستير) للدفاع الجوي العراقي نجحت بإسقاط طائرة مجهولة في محافظة كركوك، وتمثلت بأكبر (درون) تركي من نوع (أنكا)".
وفي تتبّع زمني لتوجّه العراق نحو تعضيد جهوده ودفاعاته عبر شراء المنظومات الدفاعية الجوية الحديثة، أجرى وزير الدفاع ثابت العباسي لقاءً مع نظيره الكوري الجنوبي، وذلك في شهر آذار من العام الحالي.
وخلال الاجتماع، أكّد العباسي "على حاجة بغداد العاجلة إلى الدفاعات الجوية" في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، وخصوصاً بعد الحرب التي شنّتها إسرائيل على غزّة ولبنان.
وفي وقت لاحق، أعلنت شركة تصنيع الأسلحة الكورية الجنوبية (ليغ نكس 1) أنها حصلت على عقد بقيمة (مليارين و800 مليون دولار أمريكي) مع وزارة الدفاع العراقية "لتوريد نظام صواريخ من نوع (أم سام 2)".
وأعلن العراق كذلك عن توقيع عقد مع شركة "تاليس" الفرنسية لتزويده رادارات متطورة "بعيدة المدى" طراز (جي أم 400)، ضمن توجه للحكومة الاتحادية لتعزيز سيادة العراق الجوية.
وفيما بعد، أعلن قائد قوات الدفاع الجوي العراقي الفريق الركن معن السعدي عن تسلّم العراق سبع رادارات جديدة.
وقال السعدي في تصريحاته للصحفيين: إ، الرادارات "تؤمن كشفاً رادارياً للارتفاعات العالية والمتوسطة داخل العراق وخارج الحدود الإقليمية للبلد"، مبيناً أنها تغطي ارتفاعات عالية تصل إلى 30 كيلومتراً، وتكشف عن مدى يصل إلى 450 كيلومتراً بمواصفات وتقنيات عالية".
ورغمَ هذه الجهود وغيرها التي بذلها العراق لحماية أجواء العراقية، إلا أنّها اصطدمت بعدم قناعة من الرأي العام العراقي؛ بسبب التهديدات الأمنية المتزايدة وتطوّر الأساليب الهجومية من العدو، كما ذهب إلى ذلك العديد من المتابعين.
واعتبرَ هؤلاء بأنّ "افتقار عقدين من الزمن للمنظومات الدفاعية الجوية، لا يمكن تعويضها بهذه السهولة"، فيما حثّوا الحكومة "على تكثيف الجهود المطلوبة؛ لردع الأخطار المحتملة".
من جهته، أكّد مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل على "ضرورة أن تكون منظومة الرادار متكاملة ومتطورة".
وشدّد فيصل في تصريح لصحيفة (الإنديبندنت) تابعه (كلمة): على ضرورة أن "ترتبط بمنظومة الرادارات منظومة صواريخ متطورة" لأنّ هذا الأمر حسب رأيه "لا يرتبط برصد دخول أجسام غريبة كالصواريخ والطائرات والمسيرة فقط، وإنما معالجتها أيضاً".
كما وأعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، في وقت سابق، تعميم توجيهات القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال المجلس الوزاري للأمن الوطني على جميع الأجهزة والقطعات الأمنية، مشدداً على أن القائد العام أكد تحمل القيادات الأمنية مسؤولية أي خرق في قاطع المسؤولية.
وقال رسول في تصريحات صحفية: إن "القائد العام للقوات المسلحة وجه بتعزيز الحدود العراقية الغربية من خلال النشاط المكثف والانتشار السريع ووضع الخطط اللازمة والعمل على تهيئة وضمان عمق أمني فعّال".
ولفت إلى أن" القائد العام للقوات المسلحة وجه الدفاع الجوي بتأمين متطلبات الحماية الجوية لسماء العراق وللأهداف الحيوية والفعّالة والمهمة داخلياً".
وبين أن "القائد العام للقوات المسلحة أكد على أن تتحمل القيادات الميدانية المسؤولية عن أي خرق أمني ضمن قاطع المسؤولية يمكن أن يعرض أمن البلد للخطر".
وأكّد رسول في الوقت ذاته بأن "الحكومة مستمرّة في إجراءاتها لمنع استخدام الأراضي العراقية لشنّ أي هجوم، وقد أثمرت بالفعل عن ضبط أسلحة معدّة للإطلاق وتلاحق قانونياً كل من يشترك في هكذا أنشطة تهدد أمن العراق وسلامة أراضيه.