اجتماعاتٌ مكثّفة تجري الآن بين الكتل السياسية في العراق، لبحث قانون العفو العام الذي يترقبّ الكثيرون صدوره خلال هذه الفترة؛ بعد تأخر مناقشته على طاولة مجلس النواب؛ بعد تعثّر اختيار رئيسٍ له، لتنطلق من جديد المناقشات باختيار الرئيس الحالي محمود المشهداني.
ووفقاً للجنة القانونية النيابية، فإن قانون العفو العام المطروح حالياً لا يعد قانوناً جديداً كما كانت تأمل الأطراف السياسية ذلك، وإنما هو "تعديل لقانون العفو العام السابق".
ويذكر عضو اللجنة النائب رائد المالكي أن "التعديل المرسل من الحكومة كان يتضمن تعديل فقرة واحدة، وهي تعريف الانتماء الى التنظيمات الإرهابية".
وبالنسبة للمالكي فإن "من الأوليات الضرورية الآن اتضاح الوجهة الأساسية لمشروع التعديل".
وحتى مطلع شهر تشرين الثاني الجاري، وصلت إلى اللجنة القانونية (4 مسودات)، ولكنها لم تحصل حتى الآن على التصويت، حيث عملت اللجنة على مسودة تختلف عن المسودات السابقة التي تم الترويج لها في الفترة السابقة.
ويقول المالكي: "كنا في انتظار حسم قضيتين مهمتين، الأولى هي التعريف والثانية التحقيق"، مبيناً أنه "لم يتم الاتفاق على صيغة نهائية".
ويكمل عضو اللجنة القانونية النيابية قائلاً: إنّ "إحدى المسودات تضمنت فقرة تتعلق بشمول العفو مرتبكي (جريمة اختلاس وهدر المال العام والسرقة في حال سدّد المختلس أو المهدر ما بذمته" مستدركاً بأن "هذه الفقرة موجودة أصلاً في عفو العام (2016) ولكن الخطورة تكمن في إضافة نص يسمح بالتسوية" بحسب قوله.
وأوضح بأنّ "هذا الامر هو تهرب من المسائلة الجزائية وإضعاف لجانب الردع العام، واللجنة القانونية رفضت هذه الفقرة تحديداً".
وفي وقت لاحق صرّحت اللجنة القانونية النيابية عن عدد الاستثناءات في أصل القانون والتي تبلغ (13 استثناءً غير مشمولة بالعفو)، مع تقديم (4 مقترحات) لجرائم أخرى بعدم شمولها بهذا القانون".
ويعتبر مراقبون وخبراء في القانون أنّ "قانون العفو العام غير واضح الملامح بعد" ورأى آخرون أنّه "يتضمن فقرات (مفخخة) يمكن أن تسمحَ بالعفو عن الإرهابيين وممن لطّخوا أيديهم بدماء الأبرياء" وهذا الأمر مرفوض جملةً وتفصيلاً من قبل النواب الشيعة والكرد.
تكثيف النقاشات حول القانون
اعتبر كل من رئيس مجلس النواب الحالي محمود المشهداني والرئيس الأسبق أسامة النجيفي قانون العفو العام مهماً وله أولوية قصوى للإسراع بإقراره.
وأُعلن عن ذلك في بيان للمشهداني ذكر أن "رئيس مجلس النواب ناقش مع رئيس المجلس الأسبق أسامة النجيفي القضايا الهامة التي تهمّ العراقيين، وفي مقدمتها قانون العفو العام وقانون العقود الزراعية".
كما يؤكّد اجتماع جمع المشهداني برئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي على ضرورة إنصاف المظلومين من الأبرياء، من خلال الإسراع بإصدار قانون العفو العام.
ولكن وفقاً لما رصده (كلمة) في لقاء الرئيسين الحالي والسابق، لم يتم التطرق إلى من هم المقصودون بالمظلومين الأبرياء، ولماذا لا يصار إلى إعادة محاكمتهم وتقديم الأدلة الكافية على عدم تورّطهم بأيِ جريمة تستوجب أحكاماً مطولة أو الإعدام.
وفي ظل هذه النقاشات وحتى المناكفات بين الأطراف السياسية، بين معارض بقوة ومؤيد بشدّة، لفقرات القانون المتعطّل، فلم يتبقَ سوى أسبوعين على عطلة البرلمان، وبالتالي لم يبقَ إلا القليل لحسم القوانين المهمة وأبرزها قانون العفو العام.
محاصصة حتى في تشريع القوانين
من جهتهم اعتبرَ مراقبون للشأن العراقي ومنظمات حقوقية تابعهم (كلمة) الإخباري، أنّ "المحاصصة السياسية المقيتة وصلت إلى حد تشريع القانونين" والتي إن صحّت "تعتبر كارثة وانتهاكاً على مستوى خطير جداً".
وأشاروا إلى أنّ "بعض الكتل السياسية تحاول تعطيل إصدار قانون الأحوال الشخصية (الشيعي)، في مقابل الموافقة على قانون العفو العام (المطروح من قبل أكثر الكتل السنية)".
ويمكن معرفة ذلك، بناءً على ما جاء من تصريح صادم لعضو البرلمان ابتسام الهلالي، التي صرّحت يوم أمس الثلاثاء، أن "التحالف السنية تعرقل التصويت على إقرار قانون الأحوال الشخصية".
وأوضح بأن هذه الكتل "تشترط التصويت على قانون العفو العام بسلة واحدة مع قانون الأحوال الشخصية، وهو ما أثار معارضة كبيرة من قبل التحالفات السياسية الأخرى؛ لعدم وجود تطابق في الآراء بما يخص قانون العفو العام. حيث يضم صيغاً لم يمكن الموافقة عليها بأي شكل من الأشكال".
وأكدت الهلالي بأن "الإصرار على ربط القانونين معاً في سلة واحدة أثر بشكل سلبي على التصويت على قانون الأحوال الشخصية، وتأجيله إلى أجل غير مسمّى".
فيما تقول الصحفية آلاء الحجامي: إنّ "السجون العراقية أصبحت تغصّ بالآلاف من المجرمين والقتلة وسرّاق المال العام، ومن بينهم أفراد منتمون لعصابات داعش الإرهابية وثبتت بحقهم ارتكاب جرائم بحق الأبرياء في البلد".
وتابعت بأن "هذا الأمر يظل يقلق الشارعَ العراقيَّ، ويخشى من العفو عنهم، وإذا ما حصل ذلك ـ لا سمح الله ـ فإنَّ تكهّنات عودة داعش ستصبح حقيقة" على حدّ قولها.