الثلاثاء 19 ربيع الآخر 1446هـ 22 أكتوبر 2024
موقع كلمة الإخباري
اليهود أم كفار قريش.. من هم المقصودون بآية القتال؟!
آية الله ناصر مكارم الشيرازي
2024 / 10 / 20
0

1- هناك كلام بين المفسّرين في الجماعة الذين عنتهم الآية قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ‌ من هم؟! قال بعضهم: إنّ الآية تشير إلی اليهود، و إلی بعض الأقوام الذين نازلوا المسلمين و قاتلوهم بعد حين كالفرس و الرّوم.

‏و قال بعضهم: هي إشارة إلی كفّار قريش.

‏و قال بعضهم: بل هي إشارة إلی المرتدين بعد إسلامهم.

‏إلّا أنّ ظاهر الآيات يدلّ- بوضوح- علی أن موضوعها هو جماعة المشركين و عبدة الأصنام الذين عاهدوا المسلمين علی عدم القتال و المخاصمة، إلّا أنّهم نقضوا عهدهم.

‏و كان هؤلاء المشركون في أطراف مكّة أو سائر نقاط الحجاز.

‏كما أنّه لا يمكن القبول بأنّ الآية ناظرة إلی قريش، لأنّ قريشا و رئيسها- أبا سفيان- أعلنوا إسلامهم- ظاهرا- في السنة الثامنة بعد فتح مكّة، و السورة محل البحث نزلت في السنة التاسعة للهجرة.

‏كما أنّ الاحتمال بأنّ المراد من الآية هو الفرس أو الروم بعيد جدّا عن مفهوم الآية، لأنّ الآية- أو الآيات محل البحث- تتكلم عن مواجهة فعلية، لا علی مواجهات مستقبلية أضف إلی ذلك فإنّ الفرس أو الروم لم يهمّوا بإخراج الرّسول من وطنه.

‏كما أنّ الاحتمال بأنّ المراد هم المرتدون بعد الإسلام، بعيد غاية البعد، لإن التأريخ لم يتحدث عن مرتدين أقوياء واجهوا الرّسول ذلك الحين ليقاتلهم بمن معه من المسلمين.

‏ثمّ إنّ كلمة «أيمان» جمع «يمين» و كلمة «عهد» يشيران إلی المعاهدة بين المشركين و الرّسول علی عدم المخاصمة، لا إلی قبول الإسلام. فلاحظوا بدقة.

‏و إذا وجدنا في بعض الرّوايات الإسلامية أنّ هذه الآية طبّقت علی «النّاكثين» في «معركة الجمل» و أمثالها، فلا يعني ذلك أن الآيات نزلت في شأنهم فحسب، بل الهدف من ذلك أنّ روح الآية و حكمها يصدقان في شأن الناكثين و من هم علی شاكلتهم ممن سيأتون في المستقبل.

‏و السؤال الوحيد الذي يفرض نفسه و يطلب الإجابة، هو: إذا كان المراد جماعة المشركين الذين نقضوا عهودهم، و قد جری الكلام عليهم في الآيات المتقدمة، فعلام تعبّر الآية هنا عنهم بالقول: وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ‌ مع أنّهم قد نكثوها فعلا.

‏و الجواب: إنّ المراد من هذه الجملة- المذكورة آنفا- أنّهم لو واصلوا نقضهم أو نكثهم للأيمان، و لم يثوبوا إلی رشدهم، فينبغي مقاتلتهم. و نظير ذلك ما جاء في قوله تعالی: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‌ و مفهومها أنّنا نطلب من اللّه أن يوفقنا لأنّ نسير علی الصراط المستقيم و أن تستمرّ هدايته إيانا. و الشاهد علی هذا الكلام أنّ جملة وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ‌ جاءت في مقابل‌ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ أي لا يخلو الأمر من أحد وجهين، فإمّا أن يتوبوا و يعرضوا عن الشرك و يتجهوا نحو اللّه، و إمّا أن يستمرا علی طريقهم و نكث أيمانهم. ففي الصورة الأولی هم إخوانكم في الدين، و في الصورة الثّانية ينبغي مقاتلتهم.

2- ممّا يسترعي الانتباه أنّ الآيات محل البحث لا تقول: قاتلوا الكفار، بل تقول: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ و هي إشارة إلی أن (القاعدة الجماهيرية) و عامّة الناس تبع لزعمائهم و رؤسائهم، فينبغي أن يكون الهدف القضاء علی رؤسائهم و أئمتهم، لأنّهم أساس الضلال و التضليل و الظلم و الفساد، فاستأصلوا شجرة الكفر من جذورها و أحرقوها. فمواجهة الكفار لا تجدي نفعا ما دام أئمتهم في الوجود، أضف إلی ذلك فإنّ هذا التعبير يعدّ ضربا من ضروب النظرة البعيدة المدی و علو الهمة و تشجيع المسلمين، إذ عدّ أئمّة الكفر في مقابل المسلمين، فليواجهوهم فذلك أجدر من مواجهة من دونهم من الكفّار.

‏و العجيب أنّ بعض المفسّرين يری أنّ هذا التعبير يعني أبا سفيان و أمثاله من زعماء قريش، مع أنّ جماعة منهم قتلوا في معركة بدر، و أسلم الباقي منهم كأبي سفيان بعد فتح مكّة- بحسب الظاهر- و كانوا عند نزول الآية في صفوف المسلمين، فمقاتلتهم لا مفهوم لها.

‏و اليوم ما يزال هذا الدستور القرآني المهم باقيا علی قوته «ساري المفعول» فالكي نزيل الاستعمار و الفساد و الظلم، لا بدّ من مواجهة رؤوساء و الأكابر و أئمّة المنحرفين، و إلّا فلا جدوی من مواجهة من دونهم من الأفراد، فلاحظوا بدقة.

3- إنّ التّعبير ب فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ‌ الوارد في الآيات المتقدمة، من ألطف التعابير التي يمكن أن يعبّر بها في شأن المساواة بين أفراد المجتمع، و بيان أوثق العلائق العاطفية، لأنّ أجلی العلائق العاطفية و أقربها في الناس التي تمثل‌ المساواة الكاملة هي العلاقة ما بين الأخوين.

‏إلّا أنّ من المؤسف أن الانقسامات الطبقية و النداءات القومية سحقت هذه الأخوة الإسلامية التي كان الأعداء يغبطوننا عليها، و وقف الإخوان في مواجهة إخوانهم متراصين بشكل لا يصدق، و قد يقاتل كلّ منهما الآخر قتالا لا يقاتل العدوّ عدوه بمثل هذا القتال، و هذا واحد من أسرار تأخرنا في عصرنا هذا.

‏4- يستفاد- إجمالا- من جملة «أ تخشونهم» أنّه كان بين المسلمين جماعة يخافون من الاستجابة للأمر بالجهاد، إمّا لقوّة العدوّ و قدرته، أو لأنّهم كانوا يعدو نقض العهد ذنبا.

‏فالقرآن يخاطبهم بصراحة أن لا تخافوا من هؤلاء الضعاف، بل ينبغي أن تخافوا من عصيان أمر اللّه. ثمّ إن خشيتكم من نكث الإيمان و نقض العهد ليست في محلها، فهم الذين نكثوا أيمانهم و هم بدأوكم أوّل مرّة! ٥- يبدو أنّ جملة هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ‌ إشارة إلی مسألة عزمهم علی إخراج الرسول صلّی اللّه عليه و آله و سلّم من مكّة (عند هجرته إلی المدينة) بادئ الأمر، إلّا أن نياتهم تغيرت و تبدلت إلی الإقدام علی قتله، إلّا أنّ النّبي غادر مكّة في تلك الليلة بأمر اللّه.

‏و علی كل حال، فإنّ ذكر هذا الموضوع ليس علی سبيل أنّهم نقضوا عهدهم، بل هو بيان ذكری مؤلمة من جنايات عبدة الأصنام، حيث اشتركت قريش و القبائل الأخری في هذا الأمر. أمّا نقض العهد من قبل عبدة الأصنام المشركين فكان واضحا من طرق أخری.

‏5- ممّا يثير الدهشة و التعجب أنّ بعض أتباع مذهب الجبر يستدل علی مذهبه بالآية قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ‌ مع أنّنا لو تجردنا عن التعصب لما وجدنا في الآية أدنی دليل علی مرادهم، و هذا يشبه تماما لو أردنا أن ننجز عملا- مثلا- فنمضي إلی بعض أصدقائنا و نقول له: نأمل أن يصلح اللّه هذا الأمر علی يدك، فإنّ مفهوم كلامنا هذا لا يعني بأنّك مجبور علی أداء هذا الأمر، بل المراد أنّ اللّه منحك قدرة و نية طاهرة، و بالإفادة منهما استطعت أن تؤدي عملك باختيارك و بحرية تامّة.

المصدر: تفسير الأمثل 



التعليقات