من أين تأخذ معالم دينك؟! من أين تأخذ أحوالك الشخصية من زواج وطلاق ومعاملة وبيع وشراء؟! من أين تأخذ سيرتك الشخصية وأخلاقك وتعاملك مع الناس وتعاملك مع أبويك وأولادك وأسرتك ومجتمعك؟! هل تأخذ كل ذلك من الذي خلقك وسوّاك فعدلك، أم تأخذها من انسان مثلك تتقاذفه الأهواء، وتنتابه المصالح، وتبتليه الظروف والأجواء؟! بطبيعة الحال ان الانسان السوي العاقل هو الذي ينتخب الأحكام الإلهية ويرفض الأحكام الوضعية؛ لان الخالق المتعال هو أعلم باحتياجات المخلوق من المخلوق نفسه مهما بلغ من الذكاء والفطنة والتجربة، وهو أرأف بالعباد من الأم حتى برضيعها.
ولكي لا نجتر تجارب الأمم السابقة التي عصت أمر ربها وكذبت المرسلين كيف أصابها الدمار والخراب والتيه والضلال، ولكي نكون أمة وسطا، ولكي نكون أعدل الناس وأفضل الناس، تعالوا معا لنسير على هدى الله تعالى، ولا يكون ذلك الا من خلال اتباع الرسول الأعظم كما في قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) البقرة: 143.
الناس ازاء دين الله، اما ان يتبعوا الرسول فيكونوا من المهتدين، واما ان ينقلبوا على أعقابهم فيكونوا من الضالين، اما ان يكونوا على هدى الله تعالى والقرآن الحكيم، واما ان يكونوا على ضلال الشيطان والأهواء الشخصية التي تؤدي بهم الى الجحيم، اما ان يركبوا سفينة أهل البيت عليهم السلام لينجوا، واما ان يركبوا سفينة غيرهم ليهلكوا كما ورد عن الرسول في نصوص متواترة، اما ان يتبعوا الأحكام الإلهية التي تصون كرامة المرأة وتحفظ حقوق الأطفال، واما ان يتبعوا الأحكام الوضعية ومن بينها اتفاقية "سيداو" التي تدّعي صون حقوق المرأة والطفل، ولكنها في حقيقة الأمر تهين كرامة المرأة وتطمس حقوق الطفل، وفي هذه العجالة نأخذ نماذج من اتفاقية "سيداو" ونعلق عليها حسبما جاء بالمفهوم القرآني:
الاتفاقية تقول: "ان المرأة مثل الرجل" نعم انها متساوية معه في الكرامة الانسانية والجزاء الأخروي، ولكن المساواة في الأحوال الشخصية من غير العدالة حسبما تقتضيه الطبيعة الجسمانية لكل منهما هو اجحاف لكليهما، والقرآن الكريم يقول: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ) آل عمران: 36.
الاتفاقية تقول: "لا يسمح للرجل بالتعدد في الزواج" ولكنها في الوقت نفسه تبيح للزوج والزوجة ممارسة الجنس مع الجنس المخالف بل الموافق خارج نطاق الزواج الشرعي وبعناوين مختلفة، والقرآن الكريم يقول: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) النساء: 3. والنكاح يكون ضمن عقد شرعي بشرط العدالة في التعدد وهو يحفظ الكرامة من الهدر، والنسب من الضياع.
وفي هذا المضمار الاتفاقية تقول: "الأولاد ينسبون الى امهاتهم" والقران يقول: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) الاحزاب: 5.
الاتفاقية تقول: "لا يوجد عدّة للمرأة" والقران الكريم يقول: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) البقرة: 228.
الاتفاقية تقول: "الرجل ليس له ولاية على المرأة والأب لا يملك الولاية على بناته" والقران الكريم يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء: 34.
الاتفاقية تقول: "الرجل والمرأة في الميراث واحد" والقران الكريم يقول: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْن) النساء: 11.
الاتفاقية تقول: "الرجل يمكنه الزواج برجل مثله والمرأة بمثلها" والقران الكريم يقول مستنكرا: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ) الشعراء:165.
الاتفاقية تعطي المرأة حق الاجهاض، والقران الكريم يقول: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ) الاسراء:31.
الاتفاقية تقول: "لا تجرم العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج" والقران الكريم يقول: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الاسراء: 32.
الاتفاقية تقول: "المرأة ترتبط بمن تشاء وتنفصل عمن تشاء وتعاود الارتباط متى تشاء" والقران الكريم يقول: (محْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) النساء: 25.
الاتفاقية تشجع على الثقافة الجنسية للأطفال في المدارس المختلطة، والقران الكريم يقول: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) النساء: 6.
ما جاء في اتفاقية "سيداو" عكس ما جاء في القرآن الكريم، عكس كلام خالق الأكوان، عكس كلام الرحمن المنان، عكس كلام المطلق الحنان والرؤوف بالإنسان، فالله تعالى يريد ان ينظم شؤون البشرية بما يوافق فطرتهم السليمة وبما يحفظ كرامتهم وعزهم وحياتهم الحرة الكريمة، وهذا هو مبتغى الأنبياء والاوصياء والعلماء الربانيين في اقامة حكومة العدل الالهي في العالم، أما المعادون لمنهج الكتاب والعترة فانهم وما يسطرون من لوائح واتفاقيات ومدونات، فانها ليست ملزمة للامة المؤمنة التي تتبع النهج الرسالي عن طريق أمناء الرسل في ظرفنا الحالي وهم الفقهاء الجامعون لشرائط التقليد، وبإقرار من المعصوم فان العلماء الأعلام هم حجج علينا، والعترة الطاهرة هم حجج الله، بهم نعيش حياة سعيدة وبدونهم نشقى ونهلك.
ولكي نسير على نهج الكتاب والعترة، الذي فيه منجانا وسعادتنا الدنيوية والأخروية، أكد ممثل المرجعية الدينية العليا والمتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي، على "أهمّية أن يستظلّ المؤمنون تحت جناح المرجعية، فالعلماء والمراجع ما زالوا يبذلون جهداً كبيراً جداً في سبيل الحفاظ على الشباب والعوائل، ممّا يصدر من تضليلٍ من مدّعي العلم، أو من مصدّري القيم الهادمة للأسرة والمجتمع".
كما دعا سماحته إلى "السير على نهج أهل البيت (عليهم السلام) والتمسّك بالمرجعية الدينية" جاء ذلك خلال استقباله وفد رابطة شباب الإمام الحسين (عليه السلام) من محافظة الديوانية، يوم الثلاثاء، 7 مايو 2024م واستماعه إلى شرحٍ مفصّل حول عمل الرابطة وخدمتها، وجهودها الإنسانية لدعم الفئات المحتاجة.
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (أَحيوا أمرنا، رحم ألله من أحيا أمرنا) وسائل الشيعة/ العاملي/ ج10/ باب 66. يكونُ معنى ومفهوم الإحياء هو الاعتبار بالدرس والمنهج القويم الذي خلّفه لنا الأئمة المعصومون عليهم السلام والذي يمكن من خلال استيحائه واستيعابه أن نصوغ حاضرنا الإسلامي والإيماني خير وأقوم صياغة تصبُ في صالحنا ومصلحتنا الدينية والدنيوية.
وهذا الإحياء له صوره المتعددة، فتارة يتحقق بعقد المجالس الحسينية الواعية والصادقة فيُتَدارس فيها فكر وثقافة وعلوم أهل البيت عليهم السلام عامة، وتعلم أخلاقهم ومناهجهم ومحاسن كلامهم وتطبيقها بإخلاص وترجمتها إلى الناس حتى يطّلعوا على حقيقة أهل البيت وضرورة إتباعهم، وتارة يتحقق الإحياء القيمي والأخلاقي والديني لأمر أهل البيت بالاهتمام بقضية الحسين عليه السلام من البكاء الواعي عليه وفهم أهدافه الشريفة والتأكيد على زيارته إلى الأخذ من فكره ومنهجه العبادي والحياتي العام وتطبيقه في ذواتنا ومجتمعنا؛ لأنّ الإحياء حياة وحركة ونشاط لابد من أن يُلحَظ وجوده في أوساطنا الفكرية والدينية والدنيوية.
ومن أجل تحقيق حياة إيمانية طيبة في مجتمعنا يجب أن نقوم بعملية ترسيخ الاعتقادات الحقة في ديننا الإسلامي، وتدعيم الأخلاق الحسنة وبث روح التوافق والتآلف بين الناس، فوعي ومعرفة ودراية مضامين مفهوم إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام يجعلنا في حال أفضل وأحسن عند ألله تعالى في الدنيا والأخرة.
ومن أجل تحقيق ذلك فان السيد الصافي ذكر في حديثه "أن الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، شجّعوا على إحياء أمرهم، حتى يكون الارتباط دائماً ومستمرّاً بسيرتهم العطرة، وبعد أكثر من (14) قرناً هناك انتماء واضح للأئمّة (عليه السلام) قد انعكس في حياتنا اليومية".
ومن المعلوم ان مراجع الدين الكرام يستنبطون الأحكام الشرعية من القرآن الكريم، والسنة النبوية والامامية، واجماع العلماء، والعقل، وهذه المصادر الأربعة هي مصدر التشريع في الفقه الإمامي، وطالما تكون الأحكام والفتاوى مستندة الى مصادر التشريع الإلهي، أما غيرهم فان لوائحهم ومدوناتهم تكون مستندة الى عقولهم المحدودة وأهوائهم الشخصية التي طالما تكون متحررة من النصوص الشرعية وهي اقرب للقيم الهدامة للفرد والمجتمع، ولكي لا يمسنا رذاذ القيم الفاسدة بذل مراجع الدين جهودا حثيثة لإيصال النهج الرباني الى الناس كافة، لإيقاد جذوة الهداية في النفوس واخماد شرارة الضلالة من دون رجعة، وفي هذا المضمار استذكر السيّد الصافي "العلماء الأعلام الذين رحلوا (رضوان الله عليهم) والمتبقّين، وجهودهم في جمع وحفظ تراث أهل البيت (عليهم السلام) ما سهّل الرجوع إلى مصادر الرواية الحقيقية، ومعرفة الكثير عن هذا التراث".
طريقان لا ثالث لهما طريق النور والهداية التي تسعى المرجعية لتثبيته في الأوساط، وطريق الظلام والغواية التي تلمعه الدوائر المشبوهة لانزلاق الشباب في اوحاله المهلكة، ولفت السيد الصافي إلى "أن بعض المجاميع خرجت عن عباءة الأئمّة (عليهم السلام) والإيمان، رغم أن الزيارة الجامعة تقول إنّ كلامهم (عليهم السلام) نور، والكلام النور لا يُمكن أن يُردّ، أو أن أحداً يمكنه أن يلعن النور".
وجاء في الزيارة الجامعة الكبيرة من ضمن الزيارات المشهورة التي يُزار بها الأئمة الأطهار عليهم السلام أجمعين، وهي مروية عن الإمام علي الهادي عليه السلام: (كلامكم نور، وأمركم رشد، ووصيتكم التقوى، وفعلكم الخير، وعادتكم الاحسان، وسجيتكم الكرم، وشأنكم الحق والصدق والرفق، وقولكم حكم وحتم، ورأيكم علم وحلم وحزم، إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه.
بأبي أنتم وأمي ونفسي، كيف أصف حسن ثنائكم، وأحصي جميل بلائكم وبكم أخرجنا الله من الذل، وفرج عنا غمرات الكروب، وأنقذنا بكم من شفا جرف الهلكات ومن النار.
بأبي أنتم وأمي ونفسي، بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا، وأصلح ما كان فسد من دنيانا، وبموالاتكم تمت الكلمة، وعظمت النعمة، وائتلفت الفرقة، وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة، ولكم المودة الواجبة، والدرجات الرفيعة والمقام المحمود، والمكان المعلوم عند الله عز وجل، والجاه العظيم، والشأن الكبير، والشفاعة المقبولة) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٩ - ص ١٣٢.