ما هو الفرق بين النفس والروح والقلب؟! هناك مصطلحات تتردد في النصوص القرآنية، النفس، الروح، القلب، فما هو الفرق بين هذه المصطلحات؟!
الإنسان مُركب من عنصرين: عنصر مادي وهو الجسد، وعنصر ملكوتي وهو النفس.
هناك شعاع تبثه النفس إلى الجسد هذا الشعاع يسمى بالروح، الفرق بين النفس والروح كالفرق بين الشمس وشعاع الشمس، الشمس ترسل أشعتها وضوئها إلى الأرض، فالنفس ترسل شعاعها وطاقتها إلى الجسد هذه الطاقة تسمى بالروح، إذن الروح علاقة بين النفس والجسد، هذه العلاقة تبقى فترة ثم ترفع وتُحجب عن الجسد حال الموت.
النفس لها عدة قوى، فمن قواها:
1ـ النفس الأمارة: وهي الشهوة التي تُلح على الإنسان أن يُشبعها شهوة الطعام والجنس وشهوة اللذة ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ يوسف: 53.
2ـ النفس اللوامة: وهي الضمير الموجود عند الإنسان الذي يؤنبه إذا إنحرف ويمدحه ويحسن عمله إذا انضبط واستقام ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ القيامة:2.
3ـ القوة العاقلة: التي تسيطر على تصرفات ومسيرة الإنسان والتي عبر عنها القرآن بالنفس المطمئنة ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ الفجر: 27 - 30.
4ـ قوة القلب، وهي قوة من قوى النفس وظيفتها أن تنفعل، تفرح وتحزن، تظن وتتيقن، تحب وتبغض، تنجذب وتنفر، هذه القوة التي وظيفتها الاستجابة إلى العوامل الخارجية تسمى بالقلب.
أحد أسباب الجفاف الروحي يكمن في امتلاء البطن من الحرام أو المشتبه بالحرام، وذلك لما هو معلوم من أن له تأثيراته الخطيرة على الروح والقلب، (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين: ١٤. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن العبد إذا أذنب ذنبا نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الرين الذي ذكر في القرآن) تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج ٦، ص 325.
ومن الثابت في علم النفس، أن للأعمال الأثر الكبير على نفسية وروحية الإنسان، فنفسية الإنسان تتكيف تدريجيا على ضوء تلك الآثار، وبالنتيجة سينعكس ذلك على فكر وآراء ومواقف الإنسان، فلقمة الحلال تدفع الانسان الى الخير والاعمال الصالحة، وبالتالي فان روحه ونفسيته ستكون متحلقة في أجواء الفضائل والكرامات، أما لقمة الحرام فإنها تدفع الانسان الى الشرور والاعمال الطالحة، وهي ستودي بروح الانسان في مستنقع القبائح والمنكرات.
ان روح الإنسان تتعامل طرديا مع الذنوب، فمع استمرار الذنوب تغوص الروح في أعماق الظلام لحظة بلحظة، حتى تصل إلى درجة يبدأ الإنسان يرى سيئاته حسنات، وربما يتفاخر بها! وهذا هو ديدن الطغاة الذين يبطشون بالناس ظلما وعدوانا تحت عناوين بسط الأمن والنظام! ويساعدهم في ذلك تأييد وتصفيق الانتهازيين وضعاف النفوس، وعندها ستغلق أمامهم أبواب العودة إلا أن يشاء الله، وهذه الحال من أخطر ما تعرض للإنسان في حياته الدنيوية من حالات مشؤومة، لم يصل اليها اولئك المغفلون لولا تلك الغشاوة السوداء التي أحاطت قلوبهم، فانقلبوا على أعقابهم فاصبحوا مزامير سوء ينفخ فيها الشيطان كيفما شاء ومتى ما شاء.
الانسان بسبب ما يقترفه من ذنوب ومعاصي، فان جسمه ومن ثم روحه ستتّسخ بالأوساخ المادية والمعنوية، ولا سيما بعد ادخاله لقمة الحرام في جوفه سواء أكان ما يحصل عليه من السرقة او الربا او ما يدخله في جوفه مباشرة من لحم الخنزير أو شرب الخمر، فانه سيدق اسفين الحجاب الذي سيغلف قلبه من كثرة الذنوب وسيحجبه ومن شاكله من الطالحين المبتذلين عن رحمة ربهم، بينما سينعم الصالحون الطاهرون بقرب الله وجواره ليفعموا بلذيذ لقاء الحبيب، وليحظوا بالرؤية الباطنية لهذا الحبيب الذي يجعلهم ربانيون في أقوالهم وأفعالهم وسيرتهم العطرة، بينما الكفرة الفجرة ليس لهم من هذا الفيض العظيم والنعمة البالغة من شيء يذكر.
التعرض لنفحات الفيوضات الإلهية انما تكون لبعض المؤمنين المخلصين الذين يتنعمون بهذا اللقاء حتى في حياتهم الدنيا، والذي سيتجلى بركة وكرامة في رزقهم وعمرهم وما يؤول اليه من عاقبة حسنى ومآل بهيج، في حين لا يجني المجرمون المعمية قلوبهم سوى الحرمان، فهؤلاء في حضور دائم، وأولئك في ظلام وابتعاد!
القلوب الصافية الممتلئة بالإيمان والمفعمة بالعشق والهيام تكون متلألئة وناصعة البياض ولا بياض الثلج واللجين، تلك القلوب الطاهرة تكون قريبة من الحق المطلق، حينئذ تكون لمناجاة المؤمنين مع بارئهم حلاوة لا توصف، وأما من اسودت قلوبهم فتراهم غرقى في بحر ذنوبهم وتتقاذفهم أمواج الشقاء، يقول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل: (هبني صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك).
ومادام الانسان يتناول الحرام فإنه قد أوصد باب العبادات والصلات الروحية أمامه، فلا تقبل منه صلاة ولا صيام ولا قيام ولا ركوع مهما بالغ في اظهارها بالمظهر التام واللائق، لأن جسمه وروحه تلوثت بالحرام، يقول أمير المؤمنين في هذا المضمار: (ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب) بحار الانوار للمجلسي: 93 / 333 / 25.
قال تعالى: (فَلۡیَنظُرِ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاۤء دَافِق * یَخۡرُجُ مِنۢ بَیۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَاۤىِٕبِ ﴾ الطارق ٥-٧. فالإنسان خلق من ماء دافق، فماء الرجل يتكون من الغذاء، فإذا كان الغذاء من مصادر محرمة، وإذا تكونت نطفته من المال الحرام، فإن هذه النطفة تكون قذرة تبعا لمصدرها، فلقمة الحرام هي ضغطة زر صغيرة من الجسد إلى الروح فتضطرب الروح لهذه اللقمة؛ لأن الروح هي جزء من سر الله المستودع في هذا القالب الطيني عبّر الله عنه (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ) السجدة: 9. أو نفحة من نفحاته.
الجسد فاقد للإحساس من دون الروح، فهو حاله حال اي تمثال حجري آخر جميل التقاسيم، رشيق البدن، متكامل الاوصاف، ولكنه ليس مبدع ولا منتج، لا يستطيع ان يرى ما حوله، ولا ان يرفع يده او يرمش بعينه، الله تعالى وضع فيه نفحة من نفحاته القدسية فدبت الحركة في هذا التمثال الصلصالي الصلد، فأصبح بفعل هذه النفحة مبدعا منتجا مفكرا مليئا بالأحاسيس والمشاعر.
من هنا صدرت الأوامر لآدم أن لا يلوث جسمه ومن ثم روحه من الحرام وذلك بعدم الاقتراب من تلك الشجرة: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) البقرة: 35. وهو اشارة لحصول الاضرار الجسدية والروحية فيما لو تناولها، ومن هذه الاضرار ان آدم سوف يفقد روحانيته التي تُديم اتصال (النفخة) بأصلها فترتقي بها إلى عليين، بينما الاكل من تلك الشجرة يهبط بها إلى اسفل سافلين فتصبح بذلك تعيش ضمن حدود قالب الطين.
لقمة الحرام تترك اثرها على تلك النفخة التي تضطرب لمجرد دخولها إلى جوف الانسان، لأن هذه اللقمة سوف تكون طاقة محركة لهذا الجسم، وعندما تضطرب الروح يفقد الجسم توازنه ويأتي بأعمال تجلب الضرر عليه وعلى غيره، كما تسبب لنبي الله آدم عليه السلام عدم امتثاله للأوامر في بداية خلقته ان يهبط به إلى عالم المادة والشقاء.
النور عندما ينعكس في المرآة النظيفة الصافية سوف يتلألأ وينعكس بأبهى اشكاله، بعكس النور المنعكس على مرآة صدئة وسخة مليئة بالبقع المظلمة فسوف يكون اداء هذا النور رديئا مع انه نور، والسبب ليس فيه ولكن الوسيلة التي تم عرضه بها، وهكذا هو عمل الروح في بدن طاهر نظيف خال من الأدران.
ومن المعلوم ان هذا التداخل بين الروح الملكوتي والجسد المادي هو نتاج تفاعل نفحة قدسية علوية جعلت الجسد يستشعر انفعالات الروح في كل ما يصدر منه، فإن كانت الاعمال سيئة انكمشت الروح وتراجعت كثيرا فضعفت هالته التي تحميه من اختراق الوساوس والظنون، وجعلته عرضة لهجمات ابالسة الشر الذين يلتقمون فؤاده، وهو مصدر التفاعل بين الروح والجسد، فيمنعون الروح القدسية ان تجود بالأوامر الصحية والاعمال الصالحة.
وهكذا فان الأعمال التي يؤديها الجسم لها التأثير البالغ في الروح انتعاشا وانقباضا، فيما لو اطلعنا على العلاقة التكاملية فيما بين الروح والجسد، فإن أحدهما مكمل للآخر، إما ازاء التكامل أو ازاء الانحدار، فتغذية الحلال تؤثر بشكل ايجابي على الروح والنفس فيكون الانسان من خلال تلك العلاقة الوطيدة منبع خير ومصدر بركات، وهي تحلق بصاحبها في اجواء الحياة الحرة الكريمة التي يتوخاها كل صاحب لب وذوق وأخلاق، أما اذا كانت التغذية من سحت وحرام، فإنها تؤثر ذلك التأثير البالغ في الروح والنفس وتجعلها في متاهات التيه والضلال والانحراف، وما يصدر منها إلا الهتك والظلم والعدوان.