تريّث قبل ان تقحم نفسك في متاهات الهوى، تمهّل قبل ان تعصف بك أعاصير التجري على أحكام الهدى، فالحياة جميلة اذا ما أطّرتها بأحكام التقى، وتعيسة اذا ما أجريتها في دهاليز السدى، ثب الى رشدك قبل ان تعصف بك غوائل الزنا، فإنها لا تبقي ولا تذر مما ينتظرك من أهوال وشجى، طلعت علينا العديد من الرّوايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين من أهل بيته عليهم السلام في هذا المنحى، تذكر جملة من الآثار الوضعية لفاحشة الزنا التي تلحق الزاني في هذه الحياة الدنيا، إضافة إلى الآثار في عالم البرزخ والحياة الأخرى، منها عن النبي صلى الله عليه وآله خير الورى: (يا علي في الزنا ست خصال، ثلاث منها في الدنيا، وثلاث منها في الآخرة، أما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء ويعجل الفناء ويقطع الرزق، وأما التي في الآخرة فسوء الحساب وسخط الرحمان والخلود في النّار) الخصال للشيخ الصدوق، ص 321.
هذه الرّواية تشير إلى بعض الآثار الوضعية للزنا فهو يذهب ببهاء الوجه – أي يؤثر على نضارة الوجه ونورانيته – وذلك دليل على اتساخ النفس الإنسانية وتكدّرها وعدم صفائها بسبب ممارسة صاحبها فاحشة الزنا، الاستقراء يؤكد أنه لا يوجد زاني على وجه الأرض صبيح الوجه مشرق المحيّا على الاطلاق، بل بالعكس تماما ترى الزناة مقطبة وجوههم عليها عتمة واضحة لمن يتفرّس في وجوههم الكالحة التي لا تكاد تعتليها غبرة بالرغم من أن بعضهم يحاول تلميعها بالمساحيق والحلق، ولكن الوجه إذا سلب النور والبهاء فلا مصل يفيد ولا عبير. ذهاب البهاء لا يقتصر على الحالة الحسية بل في الحالة المعنوية يكون أظهر، فالزاني اضافة إلى عتمة الوجه وتقطيبه، فإنه يكون مسلوب الهيبة والوقار والسمعة الطيبة بين الناس، إنه وبإصراره على الزنا يكون ممقوتا ممجوجا ممسوخا اجتماعيا وأخلاقيا يعيش لحظته التعيسة مع من يشاكله في هذا العمل القبيح، وكما قيل في محله (أن الطيور على أشكالها تقع) ولهذا تراه يعيش في دائرة السوء والمنكر ما دام بعيدا عن مجتمع الصالحين الذين تعرفهم بسيماهم وطلعتهم البهية التي تبدو واضحة للقاصي والداني، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إياكم والزنا فإن فيه عشر خصال، نقصان في العقل والدّين والرّزق والعمر، وآفة الهجران وغضب الرحمان وهجوم النسيان وبغض أهل الإيمان وذهاب ماء الوجه ورد الدعاء والعبادة) لآلئ الأخبار، للشيخ التويسركاني، ج5 ص 197.
ويعجل الفناء – أي يؤدي إلى قصر العمر – فمن ينظر إلى الأمراض الفتاكة التي تنتقل عن طريق الزنا والتي لم يكتشف لها علاج، أو العلاج الذي اكتشف لها لا يؤدي إلى برئها وشفائها تماماً بل تبقى حتى تقضي على الإنسان، يظهر له هذا الأمر جليّاً، فإنه يكاد رأسي ينفلق كلما فتشت عن حل لهذا اللغز، ألا وهو أن الذي يطرق أبواب الزنا يحفر قبره بيده ويفنى قبل أقرانه من الأسوياء، ثب إلى رشدك أيها الزاني، ما كنت حالما آنئذ ولا أنت حالم الآن، ولكنها ظلال أحداث تزحف عليك من غياهب ماضيك العاهر، وما من حدث تمر به أو مرض يعرض عليك إلا بدعوة منك، وإلا لحاجة ملحة في نفسيتك المريضة، يمكن استبدالها بالطيب الهانئ ولكنك آثرت الماحق وانتخبت المريب، ولولا ذلك لما جاءك الغول، ولما عصفت بك غوائل الأمور، ولما هبّت عليك وانت في غضارة العمر عواصف المنون!.
ومن الآثار الوضعية للزنا كثرة موت الفجأة حسب ما صرّحت به العديد من الأحاديث الشريفة، منها حديث الإمام الباقر عليه السلام الذي قال: (وجدنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة ... ). الكافي للكليني، ج2 ص 374. فإنّه إذا ظهر الزّنا وتفشى وانتشر كثر موت الفجأة كأن تزداد في المجتمع الذي تكثر فيه هذه الفاحشة حالات السكتة القلبية أو الدماغية، فيترتب على ذلك أنّ هؤلاء المصابين بالسكتة يموتون فجأة.
أو ازدياد حصول حالات الكوارث الطبيعية كالزلازل والصواعق والفيضانات والتي عادة ما تؤدي في أكثر حالاتها إلى موت أعداد من النّاس ليست بالقليلة وبشكل سريع وفجائي، الحديث المأثور عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إذا فشت أربعة ظهرت أربعة؛ إذا فشى الزنا ظهرت الزلازل، وإذا مسكت الزكاة هلكت الماشية، وإذا جارت الحكام في القضاء مسك القطر من السماء، وإذا حقرت الذّمة نصر المشركون على المسلمين، وحقر الذّمة نقض العهد). لآلئ الأخبار، للشيخ التويسركاني، ج5 ص 197.
ومن الأمور القهرية الوضعية التي تعصف بالزاني أنه يقطع الرزق، وأن التجارب علمتنا من أن الزاني قد سار في جادة الاقتار والعوز، والحالات الشاذة التي نراها بأن بعضهم يكون في بحبوحة من العيش هذا إما أن يكون للاستدراج والامتحان وإما أن يكون لسوء العاقبة والامتهان، ولا يزال الزاني الذي انتخب المنكر يتقلب في أحضان الفقر والفاقة والجشع والطمع والاعتداء على حقوق الغير، ما يضفي عليه سلوكا منحرفا لا يقتر على رزقه فحسب، بل يضرب طوقا على كل شؤون حياته، هذه هي سنة الحياة تقصف كل من يتمرد عليها بركانا من المشاكل والثبور.
وفي المقابل نرى ان الكاد على عياله واطفاله والعفيف الفرج والبطن يوسع الله تعالى عليه رزقه ويجعل البركة في معاشه ومأكله ومشربه ومسكنه، أما الجاني على الانسانية الذي يعبث بالأعراض والشرف دونما حياء، فالله تعالى يقتر عليه رزقه ويسلب البركة من حياته، وهي نتيجة طبيعية لعواقب الأمور، هي اعمار تنحسر عن اعمار، وارزاق تتمخض عن ارزاق، وآمال تمهد السبيل لآمال، وأهداف تتصل بأهداف، فلا انقطاع في العمل الخلاق حتى يكون للإنسان ما يشاء من الانطلاق في الخلق والابداع دونما قيد ودونما حد، وإنما القيد والحد يضربان بأطنابهما كل متسكع محتال فانهما يقطعان سبل المعروف لكل من تسوّل له نفسه من ان يشذّ عن قاعدة العفاف والسداد.
هذه الأمور التي تعصف بالزاني في الدّنيا، ومن آثار الزنا على الزاني في عالم البرزخ فقد ورد الإشارة إليها في الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ( ... ومن زنى بامرأة يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو مسلمة أو أمة أو من كانت من النّاس فتح الله عليه في قبره ثلاثمائة ألف باب من النّار تخرج منها حيات وعقارب وشهب من نار، فهو يحرق إلى يوم القيامة حتى يؤمر به إلى النّار ... ) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للصدوق: ص 282. وأمّا في الآخرة فيؤدي إلى سوء الحساب، فالزاني يناقش مناقشة عادلة وعلى كل صغيرة وكبيرة ولا يتغاضى عن شيء مما فعله من الذنوب، كذلك يؤدي إلى سخط الله سبحانه وتعالى وغضبه على الزاني، ومن يغضب الله عليه فلا يمكن أن يفلح أبداً، ثم الدخول إلى النّار والبقاء فيها مدّة مديدة طويلة إن مات وهو لم يتب من هذا الجرم العظيم، فالتوبة هي باب من أبواب الرحمة الإلهية مشرعة لكل من آمن وندم وتاب، فإنها لا تنجيك من العذاب فحسب، بل انها تبدل السيئات حسنات فيدخل العبد في رحمة الله تعالى من النعيم والجنات وحسن مآب كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً). الفرقان: 68- 70.