الخميس 20 جمادى الأول 1446هـ 21 نوفمبر 2024
موقع كلمة الإخباري
العمل في العراق بين الاستعباد والإعتاق...(رؤية بتجرد)
إنتصار الماهود
كاتبة وصحافية عراقية
2024 / 08 / 12
0

إعلان وظيفي: ( مطلوب للعمل كمندوب مبيعات شاب يحمل الشهادة الجامعية ويتحدث تسع لغات وثُلْث ماهر في إستعمال الحاسوب، له القدرة على تحمل الضغوط النفسية والجسدية، (عذرا يعني مثل الثور المربوط بالساقية ياخذه صبح ويجيبه ليل)، يمتلك خبرة لا تقل عن 3سنوات و3 شهور( ولا تدققون بالشهور ليش)، يتحمل مزاج رب العمل ونزقه وسوقيته ونكاته السمجة، ماهر بالتملق ومسح الأكتاف، (حتى يداري خبزته). 

هذه ليست نكتة بل صورة تخيلية للإعلانات الوظيفية في القطاع الخاص، لايوجد بصراحة هكذا إعلان، لكن كما رأيت وسمعت من العاملين فيه هذا هو نوع العامل المطلوب، يتحمل ساعات العمل الطويلة بأقل الأجور دون وجود ضمان صحي أو إجتماعي للعامل. 

إن سوق العمل في القطاع الخاص لازال يعاني من مشاكل كثيرة في العراق، رغم وجود قانون خاص به ويعتبر من القوانين المنصفة لحقوق العاملين، إلا اننا نجد معظم أرباب العمل لا يتعاطون به ولا يطبقونه، فقانون العمل العراقي رقم 71 لسنة 1987، قد حدد ساعات العمل ب 10 ساعات منها 8 فعلية، وإن كان العمل شاق أو خطر فيتم تقليل ساعات العمل، حسب تعليمات وزير العمل والمركز الوطني للصحة والسلامة الوطنية، (بينما الواقع المگرود يكرب كراب 12 ساعة وأكثر وفنه يشتكي)، كما حدد مدة العقد للعمل بسنة واحدة قابلة للتجديد، وله الحق في 90 يوم إجازة مرضية و 21 يوم إجازة اعتيادية، ولو أراد ترك العمل يقدم إنذار خطي لصاحب العمل مع إلتزامه بالعمل، وعند فسخ العقد من قبل رب العمل يجب أن يعوضه أو يقدم مكافأة له، وله الحق بالضمان الصحي والاجتماعي. 

إذا هنالك قانون موجود ونافذ ولدينا سوق مزدهرة للعمل، وهذا ما حددته القدرة الشرائية للفرد العراقي، (أيباااااه لو نرجع لأيام بابا صدام هواااي أحسن، موو هو إحنا كلما نريد ننتقد حالة ونعالجها جابوا البعثلوكية صدام بالنص وحطوه، من عدوا الخيل جابت الخنفسانة رجلها ومدتها). 

المهم لنعد لموضوعنا إن كان هنالك قانون وهنالك سوق للعمل مزدهر، ما الذي أدى الى وجود حالات غبن كثيرة وشكاوى بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص؟!، هنالك عوامل مهمة، أهمها هو عدم إلتزام رب العمل بالطبع بتلك القوانين، وتماهي العاملين عن حقوقهم، خوفا من البطالة أدى الى تراجع تنظيم العلاقة الحقوقية في هذا القطاع، وأن الأساس الذي يجب إعتماده هو المراقبة الحكومية القانونية المستمرة، والمحاسبة لرب العمل والعامل، وتلك المراقبة والمحاسبة ستضمن التوازن في هذا القطاع، إضافة لوجود مسالة العمالة الأجنبية والتي سنتناولها في مقال مفصل، وكيف أثرت على سوق العمل وغبنت حق الشاب العراقي، لإيجاد فرص عمل تناسبهم بوجود عمالة رخيصة دون شروط قانونية. 

أما العمل في القطاع العام فهو قصة أخرى، (تعال ليه حبوبة وركز  ولا تضوج بداعة سيد منيهل)، يعتبر العمل في القطاع العام أو الحكومي حلم كل شاب ، عدد ساعات قليل وراتب ثابت ويزداد بتقادم الزمن، وراتب تقاعدي عند الكبر لك ولأولادك، تخيل أن عدد الموظفين كان في عام 2006 هو 650 ألف موظف حكومي، إرتفع الى 4 ملايين موظف منهم 1.5 مليون شخص في المؤسسة العسكرية في العام 2020، وهو عدد مهول يستنزف 70% من الموارد العامة وتخصص لهم رواتب تبلغ قيمتها 60 ترليون دينار، ربما بعضكم سيظن أن العدد مبالغ به لكن الإحصاءات غير الرسمية، تشير الى إن العراق يقترب تعداده من 44 مليون نسمة ومعظمهم من الشباب، (ذكور وإناث) رغم تعرضه لحروب كثيرة وإرهاب طائفي وتهجير، وهو بالطبع مؤشر جيد، فالشباب هم الثروة الحقيقية للبلد لو تم إستغلال وجودهم بصورة صحيحة لبنائه، والذي سيؤدي لنهضة عمرانية وإقتصادية كبيرة، رغم إني لا أشجع على العمل في القطاع الحكومي، وما أسميهم ب (المعتقين) فعملهم بصراحة بطالة مقنعة، ساعات عمل قليلة وإنجازات أقل وراتب أكثر، وحينما نقارنهم مع العاملين في القطاع الخاص، (المستعبدين) نرى الفرق الشاسع في الإنتاج بينهما، وهو ما يؤثر سلبا على حركة التنمية الاقتصادية في البلد، فلا يوجد توازن في القطاعين من ناحية الرواتب الممنوحة مقابل الخدمات المقدمة، لو كنت أنا من أصحاب القرار( واللو زرعوها وما خضرت حبوبة )، لدعوت للسيطرة أكثر على العمل في القطاع الحكومي بتشديد القوانين والمطالبة بإنجازات أكثر، والتركيز على الجانب الأخلاقي، فتعامل  بعض الموظفين مع المواطنين (والي خشمهم ما يگصه أبو طبر نفسه) مزعج جدا، ولساعدت القطاع الخاص من خلال تقليل ساعات العمل وتحفيزهم، بضمانهم صحيا وإجتماعيا لانهم منتجون أكثر،(المستعبدون مقابل المعتقون)، وفتح المصانع والمعامل بشكل أكبر لتنشيط الإقتصاد الوطني، مع مراقبة حكومية مستمرة لضمان حقوق العاملين فيه، و(لا خلفة الله ع الإستيراد بعد)، وتكون الصناعة وطنية أولا، وتشجيع قيام مشاريع صديقة للبيئة وإعادة تدوير النفايات و العمل في الطاقة النظيفة، هذا هو المستقبل الفعلي للبلد، وليس أن تكون مجرد قطعة ديكور في مكتب حكومي، تأتي بوقت وتنصرف بوقت وتستلم مبلغا ليس بالهين، نهاية كل شهر دون منجز بل تكون أنت مجرد عالة على الدولة وميزانيتها . 

مو بلة حبوبة؟!

التعليقات