جمعة العطواني
مشكلتنا في العراق، أننا انشغلنا في جبهتين لا ثالث لهما منذ الاحتلال الأمريكي وإلى يومنا هذا، وهاتان الجبهتان هما السياسية والعسكرية.
بينما نرى أن هناك جبهة أهم من الاثنين رغم أهميتهما وهي الجبهة الثقافية، ونقصد بالجبهة الثقافية هي جبهة الوعي لدى المجتمع العراقي، فضلا عن وعي أعضاء مجلس النواب.
ولأننا انشغلنا بالجبهة السياسية والعسكرية نجد أن نسبة الوعي الثقافي والفكري متدنية لدى نسبة كبيرة في مجلس النواب، لأن الأولويات هي سياسية عسكرية، ونقصد بالسياسية بالمعنى الضيق لها (تشكيل حكومة، حصة كل حزب في الحكومة، رئيس الوزراء لونه وطعمة ورائحته وميوله الحزبية، التنافس السياسي بين الأحزاب) دون النظر إلى قضايا بناء الدولة وفي مقدمتها هوية الدولة والمجتمع.
بناء هوية الدولة تحتاج إلى ثقافة مجتمع، ومن يعكس ثقافة المجتمع هم ممثلو المجتمع، وعندها ستتحول هذه الثقافة إلى هوية، والهوية إلى تشريعات وقوانين.
فكيف يمكن للهوية أن تتحول إلى قوانين وممثلو الشعب يفتقرون إلى أبجديات الثقافة السياسية وأبجديات بناء الدولة في هرمها الثقافي، وذلك واضح من خلال ما نسمعه كلام (أغلب) النواب وطبيعة خطابهم وسطحية ثقافاتهم واهتماماتهم.
عندما تتحول الهوية الاجتماعية إلى تشريعات وقوانين، بمرور الزمن تصبح راسخة في حركة المجتمع، وعندما تكون القوانين معبرة عن ثقافة المجتمع وتوجهاته يفهم العالم أن العراق مجتمع غالبيته (مسلمة) وقوانيه وتشريعات بلده إسلامية اذا كانت التشريعات ملامسة للإسلام، أو أنه بلد (لا إسلامي - أو علماني) لأن تشريعاته وقوانينه التي شرعها ممثلو الشعب هي علمانية.
قانون الأحوال الشخصية على سبيل المثال في التعديل المطروح أمام مجلس النواب أحد من أهم القوانين التي تعبر عن طبيعة هوية المجتمع وثقافته وتوجهاته، وهذا القانون يلامس ولو بشكل بسيط ثوابت الشريعة الإسلامية والتي أكدت عليها المادة الثانية من الدستورية (لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام).
المشكلة التي نعاني منها هي أن ( ممثلي المجتمع الإسلامي - سنة وشيعة- ) ليس لديهم اهتمام بهذه القوانين بقدر اهتمامهم بالقضايا السائدة مثل (تنصيب الرئاسات وحصص الأحزاب)، بينما نجد النواب العلمانيين اهتمامهم منصب على القضايا الثقافية والحريات الشخصية . لهذا نجد تأثيرهم واضح وكبير في الأوساط الإعلامية وداخل مجلس النواب، على الرغم من أنهم (لا يُرَون في العين المجردة من حيث العدد) .
هؤلاء ينتصرون للإباحية تحت شعار الحرية الشخصية، ولم يحضروا للتصويت على قانون تجريم المثلية الجنسية والتحول الجنسي لأنه يتعارض مع هويتهم الثقافية (فصل الدين عن السياسة والمجتمع والحياة)، وشعارهم (حرية الإنسان في التعبير والاختيار والدين وكل شي).
المشكلة أننا عندما نتحاكم معهم بالشعار نفسه الذي يحملونه (الحرية) ونطرح قانون الأحوال الشخصية الذي يتيح لكل مواطن أن يتعامل بقوانين الأحوال الشخصية وفق الدين والمذهب والطريقة التي يريدها، نجد أصواتهم تعلو، ويرفضون هذا المبدأ الذي هم شرعوه لأنفسهم، ويتبدل الشعار إلى أن هذا القانون (الأحوال الشخصية) يعني أسلمة الدولة، وقمع للحريات ومخالف للقوانين المدنية).
بمعنى أنهم لم يرفضوا اختيار الإنسان لطريقته في الزواج والحياة الاجتماعية حسب حريته الشخصية فحسب، بل أنهم باتوا يفرضون ثقافتهم وأيدولوجياتهم على مجتمع بكامله، رغم ما نص عليه الدستور، فتحولت الحرية التي ينادون بها إلى ( قمع وفرض وديكتاتورية ثقافية).
بمعنى آخر أنهم يبيحون لأنفسهم الإباحية الجنسية لأنه (حق شخصي)، والمثلية (حق شخصي)، وتبادل الزوجات (حرية شخصية)، وفتح الملاهي وبيوتات الدعارة مباح لأنها تعبر عن (علمانية الدولة)، وعندما يشرع البرلمان قانونا يتماشى مع ٩٩٪ من دين المجتمع وثقافته نجد ( شواذ) البرلمانيين وناشطاتهم خارج المجلس يرفضون ذلك، والمصيبة أن ممثلي الـ ٩٩٪ يستجيبون لذلك، او يشرعون باستحياء.
إن هذا الرضوخ والاستحياء نابع عن جهل لدى غالبية ممثلي المجتمع، ونابع أيضاً من جهل بالثقافة السياسية لدى البرلماني، ولايفقه أن أحد أهم أهداف وجوده هو بناء هوية المجتمع وهوية الدولة من خلال التشريعات التي تعبر عن تلك الهوية.