وتوالت الأحداث مسرعة وفق النصوص التاريخية المعتبرة التي اشارت إلى الانجازات التي حققها امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ، ولم تزل صفحات التاريخ زاخرة بما يجب ذكره ، وتنصلت بعض الأقلام المأجورة عن تناول احداث توالت في عهده ، وكانت بين تلك الأحداث هو رؤية المستقبل الذي سيحل بما بعده ، فتارة يخرج الناكثين عن بيعته لمحاربتهم ، وأخرى على القاسطين ، وبعدها على المارقين ، ولم تكن فتراته بالفترات الرخوة التي ينعش بها الحكم ولا فترات طويلة الأمد ، بل كانت احداث متتالية ولمدة أربع سنوات ، أنهكت قوى الإسلام بالحروب المناهضة لدولته ، ورفعت راية النفاق والكذب والتدليس ضد امير المؤمنين عليه السلام ، ولم يبالي بها ، لانه علي ابن ابي طالب عليه السلام ، حامل لواء الاسلام ، ونفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعد تلك الأحداث المترامية وبيان احجيتها التي مورست بنفاق الشاميين وصراخ أهل الكوفة وبيعتهم وتدليس أهل المدينة ومكة ، انتهى الحال إلى ولده وريحانته وأنيس نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الامام الحسن عليه السلام ، وبشهادتهم لم نخرج لمقاتلتك الا بغضآ بأبيك ، اي أن الوضع الذي سار عليه امير المؤمنين عليه السلام بأحقية الاسلام وتثبيت جذوره، قد ضرب به خياشيمهم ونكل بكبارهم حتى اخضعهم إلى أمر الله سبحانه ، فبقيت ثارات بدر وحنين تتجافى صفحات التاريخ المؤلمة ، وبيانها هنا يقع على مسؤلية المؤرخين المنصفين ، حتى وصلنا الحال الى مالا يحمد عقباه من نكث العهود والمواثيق ، والتي صارت عليها شيمهم وأممهم ، وكبارهم ، أن الامام الحسن عليه السلام ، رغم قساوة الظرف الذي وجد في عصره ، إلا أنه استطاع أن يبرز جانب الاسلام العلوي بالاحقية لما آلت إليه الأحداث ، وللحفاظ على دماء المسلمين وحقنها من سيوف الغدر والختر ، استطاع الامام الحسن ع أن يصالح على وثيقة العهد والاتفاق بينه وبين معاوية ، لإخماد نار الفتن التي عصفت بالإسلام ، وإدخال البدع في الحكم بعد أن فرض ولاية العهد لولده يزيد اللاعب بالقرود وشارب الخمر وقاتل النفس المحترمة التي حرم الله قتلها الا بالحق ، أن يؤمره على رقاب المسلمين ، وتعد هذه الولاية دخيلة على أحكام الإسلام في الحكم والمحكومية ، فلم تشرعها أحكام الإسلام في الحكم ، إلا أن تأثر معاوية وأتباعه بممارسات الروم الأرثوذكس وغيرهم ممن يجاورون بلاد الشام قد سار على خطواتهم والتشبه بهم والانقياد لأوامرهم ، و قد بين الامام الحسن ع ،اهم النقاط في خطبته خشية على الإسلام ، ولم يترك الامام الكريم ع الناس بلا خطبة ،ولا تنبيه ، فقد قام بهم خطيبا عند صلحه مع معاوية ، وقف على الاعواد فحمد الله وأثنى عليه وقال بأبي وأمي :
( ايها الناس ، أن معاوية زعم اني رأيته للخلافة اهلا ، ولم أر نفسي لها أهلا ، وكذب معاوية ، أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبيه ، فأقسم بالله ، لو أن بايعوني واطاعوني ونصروني ، لاعطيتهم السماء قطرها والأرض بركتها ، ولما طمعت فيها ، يا معاوية . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ( ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالآ حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل ) وقد ترك بنو اسرائيل ، هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أن هارون خليفته ..
وقد تركت الأمة عليا ، وقد سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ( انت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي ) .
وقد هرب رسول الله ص ، من قومه وهو يدعوهم إلى الله ، حتى فر إلى الغار ، ولو وجد عليهم اعوانآ ما هرب منهم ، ولو وجدت اعوانآ ما بايعتك يا معاوية ...
وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه ، وكادوا يقتلونه ولم يجد عليهم اعوانآ ، وقد جعل النبي في سعة حين فر من قومه لما لم يجد عونا عليهم ، وكذلك أنا وأيي في سعة الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد عونا . وانما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا .
ايها الناس ، انكم لو التمستم فينا بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلا من ولد النبي غيري وغير اخي ).....
وبين هذه وتلك فقد تمت وآل الأمر لمعاوية ، واستذاق طعم السلطة الدنيوية حتى بطش بطشه وسعى في مناكب الأرض ظلمآ وعدوانآ وطغيان لمن يوالي علي وأبناء علي عليهم السلام ، وتحققت طموحاته التي كتبها المؤرخين أنها انجازات لإقامة دولة الإسلام واي اسلام قد اقامه معاوية ، واي احكام قد توارثها الناس ، واي فتاوى قد سار عليها المجتمع الإسلامي ، فقد صبغوا الاسلام بصبغة الزيف والعداء وتهميش الآخر ، وسلب الحق عن اهلة بالحيلة والخديعة ، ولم يكن هذا محسوب لولا أن الناس رأت أن الحق قد دار دواره كما تدور الايام ، ولم تجني خيرا لما خلفته الأمة الإسلامية ، بل وضعت نفسها موضع الشبهات ، والى الان نجني ثمارها المتسخة بمعاول الأقلام المأجورة والتي تطلب الدنيا والزلفى من السلطان ، والى هذه اللحظة قد سارت بعض الحكومات على تلك الأحكام الخبيثة وإبراز مفاهيمها ، فقد لحقت عارها وشنارها بالمطبعين مع الكيان الغاصب ، الذي بنى بنيانه على دماء المسلمين ، واذاقهم وبال التشريد والتنكيل ، هذا الذي وصلنا من دولة بنيت على غصب الحق ونفور الناس من ولاتها الحقيقيون ، استذكارا لاحداث غزة الآباء والصمود ، فكل مايجري الان من خنوع وخضوع دول الاسلام العربية ماهو الا من تبعات الاحقاب التاريخية المظلمة التي ادركتها هذه الأجيال المسكينة ، ولم تعلم أن من كتب التاريخ لم يكن منصفا ولا محايدا ولا اهلا لكتابته ، أن الحقيقة التاريخية لابد أن تضع وزرها الان ولابد أن تظهر على سطح الأرض من جديد ، ولابد أن يعاد كتابة التاريخ ، واول سطر من كتابته يجب أن يرفع بها لواء الاسلام المحمدي العلوي الحسني الحسيني الاصيل ، فكل قطرة دم شهيد سالت على هذه الأرض ماهي الا من خطوات حروف التاريخ الحقيقي التي استنشقتها أرواحهم وقد سارت تلك الدماء من مسار صفحات ال محمد عليهم السلام الخالدة في محاور الممانعة للظلم والعدوان والطغيان بكل أشكاله وألوانه ......
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين