هدأ صليل السيوف وإنتهت المعركة، إنجلى غبار الحرب، ها قد قُتِل الحسين عليه السلام، قتلوا ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هم هلّلوا وكبّروا وفرحوا،ولسان حالهم يقول: ” نحن قتلنا الحسين، إنتصرنا على حفيد محمد النبي، سنقطع رأسه، ونضعه على الرماح لنطوف به الأمصار، مع باقي رؤوس أهله وأصحابه، معلنين عن إنتصار مولانا يزيد، نعم لقد تحقق لنا النصر ولنا أن نفعل ما نشاء، ماذا لو روّعنا عياله وسبينا حرمه، ماذا لو مثلنا بأجساد مقاتليهم، وقطعنا رؤوسهم وحملناها كالغنائم، ماذا لو داست خيولنا على جسد الحسين وأخيه؟!، ماذا سيحدث لو تركناهم في العراء مسلوبي الأجساد، مقطعي الاوصال ليكونوا عبرة لمن يخالف أميرنا؟! “.
فرح حزب الشيطان بنصره، وتباهى بمقتل سيد شباب أهل الجنة، لبئس النصر نصركم وبئس العبيد أنتم.
إن ماحدث يوم العاشر من محرم هو إبادة جماعية ممنهجة ومدروسة ومخطط لها من قبل آل أمية، للقضاء على نسل علي و فاطمة عليهم أفضل الصلاة والسلام، لا تستغربوا ”هم يطلبونا بثارات بدر وحنين، هم يردون ثار الواحد بسبعين"، لم يكتفي الأمويون بهذه الجريمة التي إهتز لها عرش السماء، وضجت الملائكة من هولها، ولم ينتهي الأمر لهذا الحد، لا بل أخذت حربهم منحى جديد حرب فكرية إعلامية ضد الحسين وقضيته، قاموا بتطبيع وتطويع الجمهور وتضليلهم، لطمس الحقيقة وتغييبها، فقد أشاع الإعلام المسموم أن الحسين عليه السلام خرج ضد يزيد طالبا للسلطان، طامعا في جاه الخلافة، قد غرته الدنيا وزينتها، الحق يقال ليس بمستغرب أبدا، فما فعلوه مع الحسين هم فعلوه سابقا مع علي إبن أبي طالب عليه السلام، فمن أقنع الناس بأن يُسَب عليٌ عليه السلام من على المنابر أربعون سنة، قادرون على أن يقنعوا الناس بأن الحسين عليه السلام لم يخرج من أجل قضية ورسالة سامية، وفلحوا بأن يشوهوا ويحرفوا الحقائق والأسباب الموجبة لثورة الحسين عليه السلام على الرعديد يزيد إبن أبيه.
لقد لعب الإعلام الأموي دوراً خبيثا خسيسا ولقرون، حتى وصلت إلينا نتائجه، في عصرنا هذا فنرى الكثير ممن يحسبوا على الإسلام يترحم، ( على سيده يزيد الذي قاتل سيده الحسين، لأن سيده يزيد رأى أن سيده الحسين قد طمع في الملك والجاه)، أي غباء يحملون، وأي عقول مغيبة بها يفكرون؟!.
لقد سلك الإعلام الأموي مسلكين في توجهه، الأولى تعظيم وتفخيم الجلاد وزبانيته يزيد ومعسكره، والثانية تسفيه وتصغير الضحية و عصبته، الحسين عليه السلام و أصحابه، وهذا ما لمسناه فعلا، وما عشناه ولا زلنا نعاني منه لغاية الآن، كيف تمت محاربتنا، ومضايقتنا، وطردنا، ومنعنا من ممارسة شعائر حزننا على سيد الشهداء عليه السلام، لأنها من وجهة نظرهم شرك وكفر بالله وتحدٍ للحاكم الشرعي وسلالته، فهم نفوا صفة العصمة والأحقية عن حفيد النبي صلى الله عليه وسلم، ”هو مو خليفة ولا إمام معصوم أنتم بكيفكم تحجون هو حفيد النبي والنبي مات وإنتهى الموضوع والحسين هم مات شبيكم إنتم تذكرون شخص مات قبل 1400 سنة؟؛ هالإسطوانة ما نخلص منها كل سنة بعاشور نسمعها “.
بالنسبة لي إن أكثر من مثّل الفكر الأموي وجسده في عصرنا الحديث هو البعث الصدامي، وكيف إتبع سياسة الإضطهاد نفسها مع شيعة الحسين عليه السلام.
”اشش لا تكول إنت شيعي لإن هاي طائفية، أش لا تربي لحيتك أخاف يكولون إنت بحزب الدعوة، إش لاتكول عندي نسخة من كتاب مفاتيح الجنان، أش لاتلبس أسود لاتعلك رايات بمحرم، لاتعلي المسجل من يقرأ المقتل، أش لازم الرفيق أبو تقرير يعرف بكل حركاتك وسكناتك بالمنطقة حتى تسلم على روحك، وروح اهلك، أش أش أش عفية عمر خلصناه وي صديم ب الأش“، لقد إستعمل الصداميون سياسة فرق تسد، فقد كنا في عهده نخاف أن نتكلم عن أي شي يمس الدين لأنه من المواضيع المحظورة، ”لأن للحيطان أذان و كل شي عدا البعث وحياة الريس محظور محظور“، بل أصبح الاخ لا يأتمن أخيه على حديثه خوفا على حياته، وكم من رقاب كسرت و بيوت هدمت بسبب التقارير من ذوي القربى والدم، ”أيباااااااه والله أيام خير ودلال و ديمقراطيّة چنا نعيشها بجال بابا صدام“.
لقد حارب البعث شيعة علي عليه السلام، بكل الطرق الممكنة وتعامل معنا كمواطنون من الدرجة الدنيا لأننا ”شروك"،
ولازالت طفيليات البعث في وقتنا هذا، حتى بعد سقوط صدام تتعامل معنا بسبب تشبعهم بأفكار البعث المسموم.
إن دور الإعلام مهم جدا في جميع القضايا سواء كانت إجتماعية، سياسية، دينية، إنسانية، ومن أجل بيان الحق والمظلومية يجب أن يكون المتصدي للإعلام، ومن يمسك القلم ويدافع، ”خاصة عن القضية الحسينية“، بأن يكون متمكنا وقادرا على دحض الحجج وردها، ولم نجد أفضل وأقوى وأصدق من مولاتي زينب عليها السلام،(وزيرة إعلام الطف) لتمثيل هذا الدور، هل تعلمون ماذا فعلت زينب لوحدها، وكيف إستطاعت تصغير وتحقير المأبون إبن مرجانة في خطبتها الخالدة، التي لازالنا نحفظها ونرددها ونستشهد بها، خطبة خلدت القضية الحسينية ونسفت مقام يزيد وزبانيته وقزّمته هو وجيشه، هي إمرأة بمعسكر جند كامل، هي صوت الحق الصادح الذي عادل كل تلك الأقلام المأجورة، التي حاولت تشويه ثورة الحسين عليه افضل الصلاة والسلام عبر التأريخ، زينب وما أدراك ما زينب، (حبيبة علي وربيبة محمد، أخت الحسن والحسين ومربية العباس عليهم السلام)، تخيل معي كيف ستكون قوة حجة إمرأة وكلامها، وهي تربت في بيت النبوة ومهد الرسالة السماوية؟!.
في وقتنا الحالي إن المسؤولية الملقاة علينا كبيرة ومهمة، من أجل إبقاء القضية الحسينية خالدة وشعلتها مضاءة، نحن نحتاج لإعلام قوي، إعلام عقائدي زينبي، نحتاج حناجر تصدح بالحق ولا تخاف من يزيد، كما فعلت مولاتي زينب عليها السلام، نحتاج لأقلام تكتب عن مظلومية آل محمد، أقلام ترسم نهج معتدل وطريق واضح لتتبعه الأجيال بعدنا، لاسيما إننا نمر بمرحلة صعبة جدا، نخوض حربا فكرية إعلامية شعواء مسلطة على شبابنا وبناتنا، من أجل حرفهم عن بوصلة الحق وتشويه عقيدتهم وتسفيهها بشتى الطرق، خاصة المذهب الشيعي لأنه يمثل خط ونهج آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لذا نرى وسائل الإعلام الصفراء من بقايا فلول البعث والغرب الكافر يحاولون، جرّ بناتنا وأولادنا والسيطرة عليهم، وتسفيه المذهب الشيعي والعقيدة والدين وكل ما يرتبط بآل البيت خدمة لحزب الشيطان.
إن المسؤولية الملقاة على عاتقنا كبيرة وحرجة، وهي مسؤولية مشتركة بين الأهل والحكومة ووسائل الإعلام ورجال الدين، لتحصين شبابنا وتربيتهم تربية حسينية قويمة، والحفاظ عليهم من الهجمات الإعلامية الناعمة، فهل نحن مؤهلون للحفاظ على جيلنا من تلك الهجمات الشرسة؟! وهل قلمنا مؤهل للدفاع وبقوة عن عقيدتنا وعن حسيننا وقضيته؟! بقت يم الله حبوبة.