الخميس 20 جمادى الأول 1446هـ 21 نوفمبر 2024
موقع كلمة الإخباري
ذكرى القاسم وقرابين العقيدة...

يمة أذكريني من تمر زفة شباب 
من العرس محروم وحنتي دم المصاب
شمعة شبابي من يطفوها
حنتي دمي والچفن ذاري التراب 
يمة أذكريني من تمر زفة شباب 

اليوم هو الثامن من محرم الحرام، والمسجل في منزلنا يصدح بقصيدة يمة أذكريني لحمزة الصغير، كنت صغيرة ولا أعرف ما هذا الحزن والألم والإنكسار الذي كان يلف أمي، وهي تبكي بحرقة على كلمات اللطمية، ”وتنشغ يعين گلبج يرملة، يمة يفگد الضنى يزرف الگلب، يمة مؤيد زرفت گلبي ولك ألمن عفتني “. 

أنا كنت أبكي على بكاء أمي، ولم أعلم من هو القاسم المذكور في اللطمية، فأنا لم أبلغ الثمان سنوات بعد، كل ما أعرفه إننا في ”عاشور نلبس أسود ع الحسين ونحزن لأن جيش يزيد الملعون كتلوا كل أهله وسبوا الحرم والأطفال“، لكن الحزن هذه السنة مختلف وما تلاها من سنوات بعدها، فأمي ترى  نفسها وألمها وحزنها في ألم مولاتي رملة وفقدها لولدها، لايزال حمزة الصغير ينعى القاسم ويذكر رملة وعمته زينب وأمي تقول: ”اووف يالعريس يمة“، عام بعد عام والألم يزداد في قلب أمي ويزداد بكاؤها حزنا وألما، وبدأ الوجع لفقد وحيدها يأكل سنوات عمرها، وها أنا كبرت وبدأت أفهم حجم حزنها في شهر عاشور، أمي لم تبتسم لسنوات، والحزن أصبح هوية منزلنا الدائمة، لكن سؤال كان يتردد في ذهني لماذا نحن الشيعة من كتب علينا البكاء والفقد والألم، صدقا لم أجد الإجابة أبدا. 

عدت لأسمع المقتل، وكأن ما حدث كان بالإمس، وأصبحت أنا من أقيم العزاء بعد وفاتها للقاسم ولأخي مؤيد، وأنا من أبكيهم وأندبهم حينما أسمع حمزة الصغير وأنا أتذكرهم ”يمة گلبي إنزرف مثل گلبج شلون حملتي هالوجع“ .

 لنعد ليوم الثامن من محرم ها قد إستشهد العباس عليه السلام، وإنكسر ظهر الحسين عليه السلام، وطلب القاسم إبن الإمام الحسن المجتى من عمه الحسين، أن يبرز لقتال الأعداء في معسكر الشيطان نصرة لله والعقيدة، لكن أبا عبدالله عليه السلام رفض، فالقاسم لا زال صغيرا 13 سنة أو 16 سنة في قسم من الروايات، لكن هل من الممكن لسليل الهواشم حفيد الضيغم الكرار، أن يتراجع عن قتال النواصب، وألا ينصر عمه الحسين، كلا والله فما هذه فعال نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سأله الحسين عليه السلام  قبل بروزه للقتال : ”بنى كيف ترى الموت؟!“،  فأجابه : ”فيك أحلا من العسل“، تخيل معي شاب في مقتبل العمر يرحب بالموت في سبيل العقيدة طاعة لله ولعمه، قاتل القاسم حتى إستشهد على يد شرار خلق الله، وسقط صريعا على أرض الطفوف، أي مصيبة أعظم من أنك تشاهد أحبتك يتساقطون صرعى أمامك؟!، أعان الله قلبك مولاي يا أبا عبدالله، كيف إحتمل قلبك الخبر مولاتي رملة؟!، ياجبل الصبر يا زينب من سيصبّر عليك هول يوم العاشر من محرم؟!، لله الأمر من قبل ومن بعد. 

قال الإمام الحسين عليه السلام  حين سقط القاسم شهيدا : ” بعداً لقومٍ قتلوك، خصمهم فيك يوم القيامة رسول الله، عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لاتنفعك إجابته، يوم كثر واتره وقل ناصره“.

 ومنذ تلك الليلة ونحن نحيي عزاء مولاي القاسم بإيقاد الشموع وصينية حنة العريس، فالمأتم هنا يختلف هو ليس عزاءً عاديا بل عزاء لعريس الطفوف إبن مولانا الحسن المجتبى. 

لقد كان القاسم عليه السلام أول قربان، لكن لم يكن آخر القرابين التي نقدمها، نحن في سبيل الدين والعقيدة والوطن، فلا زلنا نزف العرسان ونقدم قرابين الشباب كل يوم في سبيل طريق الحق ومذهب العدل، هل سمعتم عن شبيه القاسم الشهيد مثنى الكلابي، وهل قرأتم شعرا لعريس الحشد علي رشم؟! وهل تعرفون لم ذكرتهم؟! لقد إستشهدا كلاهما في شهر محرم الحرام، لنكتب سطور عنهم هنا في مقالنا . 

الشهيد مثنى قاسم الكلابي مواليد 2000، من النعمانية في محافظة واسط، تطوع وهو لايزال إبن 15 عاما وهو أصغر متطوع في صفوف الحشد الشعبي، أصر على الإنخراط في صفوف المجاهدين الذائدين عن الوطن، رغم معارضة والدته لصغر سنه، كان مثنى حسن الوجه بهي الطلعة، جميل الخلق والأخلاق، وكان في كل عام في شهر محرم، يؤدي دور تشابيه القاسم فيرتدي ملابس العريس البيضاء، تتقدمه صواني الحنة وموكب العزاء في مدينته، حين إلتحق في بيجي عام 2015، إتصل به شقيقه يطلب منه العودة مبكرا، فمحرم قد هَلّ وهو من يؤدي دور شبيه القاسم في كل عام، فلا أحد سواه سيؤدي هذا الدور في موكبهم، فأخبر أخاه: ”أن القاسم والحسين عليهم السلام هنا على الساتر، وليس في التشابيه ولن أرجع حتى أُقتل دونهم“، فنال مثنى ما أراده من الله وإستشهد في الثالث من محرم الحرام، في عام 2015 في معارك بيجي، فسلام على قربان العقيدة وعريس الحشد.

عريسنا الآخر هو مقاتل بالرصاصة والقصيدة، هو عراقي بنكهة خاصة، تميز بخلقه وكلماته وملامحه السمراء الجنوبية، علي عبد الحسين رشم الساعدي مواليد مدينة الصدر عام 1988، ولد في كنف عائلة ملتزمة والداه كانا معلمين ومن عائلة معروفة بمستواها العلمي والثقافي، كان شاعرا وقلما مميزا، كان طالبا في كلية هندسة الحاسبات حين إجتاحت غربان الشر لبلادنا، تطوع في صفوف المقاومة عصائب أهل الحق، في الإعلام الحربي فكان مقاتل وشاعر ومراسل، أثناء تواجده في جرف النصر لتغطية المعارك الدائرة، فيها إنفجرت عبوة ناسفة على العجلة التي كانت تقلهم، وأصيب إصابة بالغة ليستشهد على إثرها في الثامن من محرم عام 2014، وهكذا سقط قربان آخر في سبيل الوطن والعقيدة.. 

يمة أستشهد حتى الأمان يعود

صيحي إبني البطل ما خاف سواها

وصيتي أعلا الجنازة رايد تهوسين

هاي الرادها وهاي التمناها. 

سلام عليكم أينما حللتم وعظم الله لنا الأجر في مصابكم

التعليقات