الأحد 5 ربيع الأول 1446هـ 8 سبتمبر 2024
موقع كلمة الإخباري
أين الوفاء من العباس؟!

منعوه من المشرعة، فكشفها واباحها للإنسانية جمعاء، هنيئا لمن يغترف منها، عظمتها تكمن بالرغم من انه كان يتلظى عطشا بيد انه امتنع من الاغتراف منها وفاء للقلوب الحرى للحسين وعياله وأطفاله، فأضحت المشرعة قبلة للإباء ومترعا للأحرار يغترفون منها نخب الحرية والانعتاق من كل جبار متغطرس ظالم، فكان بحق نافذ البصيرة قوي الايمان جلد في منازلة العدوان، مواقفه العظيمة تعد بحق الشهادة الصادقة للتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة للقيادة الربانية الحقة.

لوحة فنية رائعة تتقاطر عليها جميع الانبياء والمرسلين والشهداء والصديقين، بل تتزاحم عليها حتى الملائكة المقربين، لما لها من معاني عميقة ومفاهيم راسخة في الايثار والمواساة لسبط الرسول المنتجب، انه الوفاء والأمانة والصدق والاخلاص والثبات على العهد ليس ازاء شخص عادي، وانما الوفاء والاخلاص لخامس أصحاب أهل الكساء، بقية الله في أرضه ولولاه لساخت وماجت الأرض بمن فيها. 

حقا ان الوفاء يقف خجلا أمام المواقف الخالدة لسيد الماء الذي امتلك الماء واحجم عنه رغم احتياجه الشديد له، ايثارا منه لخير البرية، فالوفاء نفسه يقف خجلا من مواقف عظيمة كهذه، يضمحل الوفاء ازاء مواقف نبيلة كتلك التي سطرها قمر بني هاشم، أين الوفاء من الخضوع المطلق والتسليم الكامل لخلف النبي المرسل والمظلوم المهتضم؟! أين الوفاء من خوض اللجج وبذل المهج فداء للقيادة الإلهية المتمثلة بالدليل العالم والوصي المبلغ لرسالة ربه بكل تفان واخلاص واتقان؟!. 

حصل وبكل جدارة على الصدارة؛ لمناسبة المورد والمكان والشخوص، بل تبوأ قمة الصدارة في التعظيم والتبجيل والاكرام، وحاز على كل تقدير واحترام وثناء وتبجيل، ونال باستحقاق جلي على رضا الله تعالى والرسول الاكرم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام، بما صبر على البلاء واحتسب كل ذلك في عين الله تعالى في الذود عن الولاية الحقة، تكمن عظمة قمر بني هاشم من وصف الامام السجاد لعمه قائلا: (وإنّ للعبّاس عند الله تبارك وتعالى لمنزلةً يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة) الخصال، الشيخ الصدوق، ص68.     

انه بايع الامام المفترض الطاعة ووفى ببيعته، والوفاء للبيعة الحقة، والاستجابة للدعوة الربانية، والطاعة للولاية التكوينية والتشريعية، وبذل الغالي والنفيس في سبيل المبدأ والعقيدة، هذه الأمور الجوهرية كانت مدعاة بأن يتبوأ صاحبها مقعد صدق عند مليك مقتدر، يتبوأ تلك الدرجات العظيمة بكل جدارة لأنه مضى على بصيرة من أمره لم يهن ولم ينكل، مقتديا بالصالحين ومتبعا للنبيين، فكان حقا على الله تعالى ان يجمع بينه وبين رسوله واوليائه في منازل المخبتين، أولئك الذين يخضعون لله تعالى ويستسلمون لأمره ويطيعون ولاة أمره ويتواضعون لعباده، العباس عليه السلام وبما يحمل من معاني الايثار والتضحية والوفاء يقف على قمة تلك المنازل من دون منازل.

ألا ترى ان المرقد حولك قد اصبح له معنى وأصبح له دلالة، وأصبح قبلة للرائح والغاد، وانه لم يعد شباكا مجردا، بل انه مثوى للعبد الصالح، ذلك العبد المطيع لله ولرسوله ولسيده الحسين عليه السلام، نافذ البصيرة، فقيه عارف متألّه، ينضح وفاء وتضحية وايثارا، يخجل الوفاء من وفائه للحسين واخته الحوراء زينب، وتطأطأ التضحية مما قدم حياته ومهجته قربانا للحق، ويتلاشى الايثار مما احجم من شرب الماء وهو عطشان، بعد كشفه للمشرعة مواساة للحسين واطفاله الذين كانوا يتلظون من شدة العطش، الطواف بمرقده له معان ودلالات، أو انها دلالات لها معان وعبر وبركات، وانت تطوف بالضريح المقدس ينتابك الأسى والبهجة والانفراج، وتترى عليك نسائم الطمأنية والدعة والانشراح.

ان الزائر وهو يطوف حول ضريحه المقدس يتدفق حيوية لعطائه، وتنتابه حسرة لتماديه، يقدم رجلا طمعا بشفاعته ويعض اصبعا ندما بذنوبه، تختلط في أذنيه أصوات الطائفين وأجراس الاستجابة، وبينما يطوف مع الطائفين تنصب أصوات الدنيا في أذنيه، وتحشر كل الالفاظ في حلقه، انه يتأرجح بين الخوف والرجاء، بين التخلية والتحلية، بين التمادي والتغاضي، ولكنه يتجرع المرارة ويحدوه الأمل، لعل الذي يهوّن الخطب انه على باب من ابواب الرحمة الإلهية، كل الاشياء حوله قابلة للتغيير والتحويل، لكنها تبقى في أمن وأمان لا يحركها قلق ولا خوف ولا فزع ما دام لائذا بأمان الخائفين وملجأ الهاربين وباب حطة الحسين الذي تحط به الذنوب وتهتدي به القلوب، وهي بحق عطاء رحماني جعله الله تعالى بابا للهداية والانابة والنجاة.

ينتفض الزائر الولهان ويحطم الهواجس والاوهام، ويهشم زجاج التشكيك والايهام، ويعلنها صرخة مدوية ان لصوته الهادر الصالح صدى بمقدار صلاحه ووفائه، وان نسائم الضريح تنعش الازهار الذابلة التي تذود به حبا بالحياة وشوقا لنسائمه المنعشة، نعم ان تلك النسائم تريد ان تجعل لما حولها أصواتا صادحة وقناديل مضيئة ومشاعل هدى وفضائل وكرامات. 

التعليقات