الجمعة 29 ذو الحِجّة 1445هـ 5 يوليو 2024
موقع كلمة الإخباري
عَليٌّ مُعجِزةُ الرسولِ
جمعة العطواني
كاتب محلل سياسي له العديد من المساهمات على وسائل الإعلام العراقية
2024 / 06 / 24
0

لا نحتاجُ الى الاستشهادِ بنصوصِ القرانِ واحاديثِ الرسولِ الاعظمِ واهلِ بيتهِ لاثباتِ أنَّ اميرَ المؤمنينَ هو معجزةُ الرسولِ رغم انها اساسُ الحجةِ على الناس.

بل اننا نتحدثُ بلغةٍ بسيطةٍ يستوعبُها العقلُ السليمُ، ويحتارُ في عمقِ هذهِ المعجزةِ العظيمةِ .

اكثر من الفٍ واربعمائةِ عام، قرونٌ وقرونٌ مرتْ على هذهِ المعجزةِ، تكالبَ حكّامُ تلكَ الازمنةِ كابرٍ عن كابر، ليطمسوا اثرَها، ما بين سارقٍ لفضائلِه، ومنتحِلِها لنفسهِ، او ناحِلها لغيره.

ما بينَ دافنِ هذه الفضائلِ، وناكرِها عليه، ما بين قاتلِ كلِّ من يروي حديثاً، او يفسر نصاً قرآنياً عن رسول الله يتحدثُ عن عليٍّ عليه السلام.

ما بينَ ناكرٍ لفضلهِ، وقاتلٍ لاهلِ بيتهِ، وما بينَ شاتمٍ وسابٍّ له لعقودٍ على المنابرِ وفي الاذانِ، وما بينَ باقرِ بطنِ المراةِ الحاملِ التي تحُبُ علياً، ومخرج جنينها وناحره .

بين هذا وذاك يبقى عليٌّ هو الاعظمُ والاشرفُ والاقربُ الى اللهِ تعالى والى رسولهِ، به أَكمَلَ اللهُ دينه( اليومَ اكملتُ لكم دينَكم )، بمعنى ان الدينَ ناقصٌ بلا عليّ، وبه اتمَمَ اللهُ علينا النعمةَ( واتْمَمْتُ عليكُم نعمتي)، بمعنى ان نعمةَ اللهِ كانتْ غيرَ تامةٍ على العبادِ قبلَ عليّ، وبولايته( رضيتُ لكُمُ الاسلامَ دينا)، فاي معجزةٍ ابلغُ واوضحُ واجلى من هذه؟.

لماذا يولي اللهُ تعالى اهتماما باحدِ معاجزِ رسول الله، فاكبر معجزتين لرسولِ اللهِ عليٌّ والقرانُ، لكن اللهَ تعالى أَولى اهتماماً، ورسولَ الله كذلك بعليٍّ عليه السلام ،السببُ واضحٌ وبسيطٌ :

فالقرانُ يمكنُ ان يتخذهُ الناسُ، من حكامٍ وسلاطينَ واربابِ الدنيا تجارةً( الذين جعلوا القران عضين)، ويغيروا ما شاؤوا فيه، ويؤولوا كيفيما شاؤوا.

لكنَّ علياً لا يستطيعُ السلاطينُ والطغاةُ ان يغيروا فيه، ولن يكيفوا علياً وفق رغباتِهم .

نعم يمكنُ ان يتلاعبَ اهلُ الدينا بالحقِ ، لكن لا يتلاعبونَ بعليٍّ، لذلك قالَ عنهُ رسولُ اللهِ (يدور الحقُّ حيثُ دارَ عليٌّ)، فعليٌّ هو الثابتُ الذي لا يعتريهِ التغيّرُ والتَبَدّلُ. به نعرفُ اللهَ وبهِ نعرفُ احكامَ اللهِ وشريعةِ رسولِ اللهِ . وبه نكشفُ التزويرَ والتلاعبَ بمفاهيمِ المعجزةِ الاولى ( القران الكريم).

لذا جَهَد ائمةُ الجورِ ان يطمِسوا علياً كلَّه ولا يتلاعبون به، لانهُ كلٌّ واحدٌ لا يتجزا.

(انما انتَ منذرٌ ولكلِّ قومٍ هاد )،كم عظيمةٌ هذه الايةُ التي تقولُ ( انما) اداة حصرٍ لرسولِ اللهِ( منذرٌ) شانك انذارُ الناسِ، لكن من ياتي من بعدِكَ يتحملُ عظيمَ مسؤوليةِ هدايةِ الناسِ الى دينكَ الحق، فالناسُ بعدكَ يا رسولَ اللهِ سَيَرتّدونَ ويكفرون بدينِك، لان بعضَهم لم يؤمنْ بنبوتِك من حيث الاساس، كما قال ابو سفيان لرسولِ اللهِ، عندما قال له رسولُ اللهِ في يومِ الفتحِ : قل يا اباسفيان ( اشْهَدُ ان لا الهَ الاّ اللهُ ) قال ابو سفيان نعم اشهدُ بذلك، فلو كانَ هناكَ الهٌ غيرَ الهِكَ لما انتصرتَ علينا يا محمد، ثم قال له رسولُ اللهِ  فقل( اشهدُ انَّ محمداً رسولُ اللهِ )، هنا اعترضَ ابو سفيان والتَمسَ من الرسولِ ان يعفيَه، اذ قال ( لا زالَ في قلبي منها شيءٌ يا محمد ) .

وهناك من امن برسولِ اللهِ شريطةَ ان يقومَ هو مقامَ رسولِ اللهِ ( ومِنَ الناسِ مَنْ يعبدُ اللهَ على حرفٍ فان اصابَه خيرٌ اطمانَ به وانْ اصابتهُ فتنةٌ انقلبَ على وجههِ خسرَ الدنيا والاخرةَ ذلك هو الخسرانُ المبين).

وهذا الخسرانُ تعرضَ له العديدُ من المنافقينَ الذينَ اتخذوا الهَهُم هواهم، هذا الاضلالُ والضلالُ ليس بنبوةِ الرسولِ فحسب، بل بولايةِ عليٍّ ومعجزةِ رسولِ الله الكبرى .

بعد قرونٍ من محاولاتِ التشويهِ والتلاعبِ بدينِ الله تاتي المعجزةُ (عليٌّ) ليَعْرفَ الناسُ الحقَ بهِ وفيهِ ومِنْ خلالهِ ليشكفوا حَجمَ التلاعبِ في الدينِ على مرِّ القرونِ.

نعم ان القومَ لم يستوعبوا معنى عليٍّ عليه السلام، فهو اكبرُ من ان تستوعبهُ عقولُ البشريةِ انذاك، فهو اكبرُ من عقولِهم، اذ انه المعجزةُ الكبرى، ولانهُ المعجزةُ الكبرى كان يخشى رسولُ اللهِ ليس على عليٍّ من الحاقدينَ والمبغضينَ والحاسدينَ، بل على المحبينَ والموالينَ ايضاً، اذ يقولُ رسولُ اللهِ لعليٍّ (لولا ان يقولَ فيكَ الغالونَ من امتي ما قالتْ النصارى في عيسى بنِ مريم لقلتُ فيكَ قولا لا تمر بملأٍ من الناسِ الا اخذوا الترابَ من تحتِ قدميك يستشفون به)، فتخيل عظمةَ هذه المعجزة التي تجعلُ الناسَ ترتّد عن ثوابتِ الدين عندما يرونَ حجمَ هذا الاعجازِ الذي يظهرُ بعليٍّ.

فما بينَ الخوفِ على دينِ الناسِ، والخوفِ من حقدِ البعضِ منهم على عليٍّ لم يظهرْ رسولُ اللهِ من معاجز عليٍّ الا بمقدارِ ما تستوعبُهُ عقولُ المجتمعِ انذاك .

علي ٌّالمعجزةُ لم يسالْ احداً غيرَ رسولِ اللهِ، وكلُّ ما عدا رسولِ اللهِ كانوا بحاجةٍ الى عليٍّ، كما قال الخليفةُ الثاني لعليٍّ ( ما زلتَ كاشفَ كل كَربٍ وموضعَ كل حكمٍ)، وقال اخرى( لا ابقاني اللهُ بعدكَ يا علي)، وفي ثالثة( لا ابقاني اللهُ لمعضلةٍ ليس لها ابو الحسن)، ورابعة( لا ابقاني اللهُ في ارضٍ ليس فيها ابوحسن). رغم انه اصغرَهُم سناً، لكنه اقربَهم الى اللهِ، واعظمَهم شأناً عندَ اللهِ،  لانه معجزةُ رسولِ الله .

لذا عندما اعلنَ رسولُ اللهِ عن ولايةِ عليٍّ (المعجزة)، لم يكنْ ذلك الاعلانُ ايجادا من عدم، بل هو كاشفٌ عن ماهيةِ هذه المعجزةِ، واخبارٌ عن حقيقتِها، ليُلقي الحجةَ على الناسِ، ويُكمِلَ الدينَ الذي سيبقى ناقصاً بلا علي، ويُتِمُ النعمةَ عليهم، ويرضى لهم (بعليٍّ) الاسلامَ ديناً .

التعليقات