هل تدري أنَّ سابق الحاجّ، وهو الرجل الذي يسبق موكب الحجيج الراجعين إلى أهالِيهمِ والقافلِين إلى ديارهم، يبشّر النَّاس بوصولهم قبل بلوغ منازلهم لا تُقبل شهادته؟
أتعلم لماذا؟
لأنَّه قتل راحلته كما في الرواية، والراحلة هو الجمل الصالح للسفر، والق-تل هنا كناية عن إتعاب جمله؛ لا أنه قت-له حقيقةً إذ يحمَّله ما لا يطيق من المشي حتى يصل إلى أهل الحجَّاج يُخبرهم بقدومهم، وهذا عملٌ خلاف المروءة يُخرج الإنسان عن العدالة فلا تُقبل شهادته حاله كحال شارب الخمر، وحليق اللحية وغيرهما.
في أيِّ قانونٍ من قوانين الدُّنيا لا تُقبل شهادة مؤذي الحيوان غير قوانين الإسلام؟ فاسمعوا يا دعاة حقوق الحيوان يا من تقت-لون الإنسان في كلِّ حدّبٍ وصوب.
من لم يدرس تاريخ العرب في الجزيرة قبل شروق شمس الإسلام، ومن لم يُحط بعوائدهم خبراً أيَّام ليل الجاهليَّة، فإنَّه لن يعرف كيف سبق الإسلام أوروبا إلى الرفق بالحيوان، وما هي الخطوات التي خطاها في سبيل ذلك.
ذلك أنَّ العرب كانوا بين إفراطٍ في تقديس الحيوانات حتى يُحرّموا على أنفسهم منافعها التي خلقها الله لهم، وبين تفريطٍ حتى يؤذوا تلك الحيوانات المسكينة التي لا تملك لنفسها نفعاً ولا تدفع عنها ضرّا.
ومن أمثلة ذلك أنَّ الله تعالى خلق الإبل لركوب ظهرها في تلك الصحراء الرمليَّة المترامية الأطراف، ولشرب لبنها لما فيه من غذاءٍ طيب، ولأكل لحومها، والانتفاع بوبرها.
بل، وللتداوي بأبوالِها، ولا بأس بذلك مادام بولُها طاهراً غير نجس، وقد سمع النَّاس أن قوماً يتداوون بالخمر النَّجس النتن ولم يُنكروا عليهم، ورأيت في الصيدليات هذه الأيَّام نوعاً من الصابون لتحسين البشرة مصنوعاً من حليب الحمير، ولم تشمئز نفوسُهم.
ولكنَّ العرب كانت في جاهليَّتها تسنُّ قوانين وتشرّع أحكاماً تمنع الاستفادة من منافعها، واستخدام الحيوانات لأغراضها التي خُلقت من أجلِها.
ومن ذلك ما ذكره القرآنُ الكريمُ في قوله تعالى: "مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ"
فالبحيرة هي النَّاقة إذا انتجت خمسة أبطن يكون آخرُها ذكرا، فإذا صنعت ذلك بحروا أذنها، والبحر الشَّق، فإذا شقُّوها حرَّموا على النَّاس منا فعها، فلا يُركب ظهرها، ولا يُشرب لبنها، وهذا خلاف الحكمة الإلهيَّة من خلقها، والله تعالى ما أمر بهذا.
والسَّائبة، وهي أن يقول الرجل ويشرط على نفسه بما يشبه النَّذر: إذا ربحت تجارتي، او برئت من مرضي فناقتي سائبة، فيُحرم على النَّاس ركوب ظهرها وشرب لبنها كذلك، والحكم ما فيها حكم ما مرَّ في البحيرة.
والوصيلة أن تلد الشاة ذكراً وأنثى فيُقال: وصلت أخاها فلا تُذبح أبداً حتى تموت.
وتلك كلُّها نوق، والحام هو الجمل الفحل الذي ينتج من صُلبه عشرة أبطن، فيُحمى ظهره فلا يُركب، ولا يجعلون عليه حملاً ويقولون: قد حمى ظهره.
الإسلام رفض كلَّ مظاهر تحريم الانتفاع بهذه النِّعم الإلهيَّة وقرَّر أنَّه يُحرم الانتفاع منها في حالتين:
الأولى: ما لو وطئ الإنسان الحيوان حرم لحمه ولبنه ونسله المتجدد، ويُذبح ويُحرق.
الثانية: مالو أكل الحيوان النَّجاسة أو تغذَّى على العذرة إلَّا أن يستبرئ.
وكان هناك تفريطٌ بهذه النّعم، فإذا مات شريف القوم عقلوا ناقته، وجعلوها مربوطةً إلى قبره من غير ماءٍ ولا كلأ حتى تموت جوعاً وعطشاً.
قضى الإسلام على كلِّ تلك العادات، وجعل للحيوان حقا.
ومن ضمن هذه الحقوق:
أن لا يوقف الحيوان طويلاً وعليه الأحمال، فإنَّ ذلك مما يؤذيه، وفي الرواية: أن النبيَّ – صلى الله عليه وآله -أبصر ناقةً معقولةً (مربوطة) وعليها جهازها ، فقال : أين صاحبها ؟ مروه فليستعد غداً للخصومة!
وأن لا تشرب الماء وهي ملجومة، أي عليها لجامها فإنَّ ذاك يعيق عملية الشرب.
قال النبيُّ الأعظم – صلى الله عليه وآله – "للدابة على صاحبها خصال ست : يبدأ بعلفها إذا نزل ، ويعرض عليها الماء إذا مر به ، ولا يضرب وجهها ، فإنها تسبّح بحمد ربها ، و لا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله عز وجل ، ولا يحملها فوق طاقتها ، ولا يكلفها من المشي إلا ما تطيق"
بل أمر الإسلام بتنظيف رعامها، وهو ما يخرج من أنوفها، كما تنظف الأم أنف طفلها، وتنظيف مرابضها، وهو مكان نومها كما تنظف المرأة بيتها، فعن رسول الله -صلى الله عليه وآله- "نظفوا مرابض الغنم ، وامسحوا رعامهن ، فإنهن من دواب الجنة"
أن لا تؤخذ فراخ الطير من أوكارها حتى تنهض، أو حتى يريش ويطير، فإن الفرخ في ذمة الله ما لم يطر كما في رواية عن الامام السجاد عليه السلام.
انه كوكب الاسلام واين منه كوكب اليابان.