السبت 9 ذو القِعدة 1445 هـ 18 مايو 2024
موقع كلمة الإخباري
شهادة الإمام الصادق (ع)
السيد صلاح الحلو
2024 / 05 / 03
0

ما كانت شهادة الإمام الصادق – عليه السَّلام – إلَّا مثل غياب الشمس، ما أفلت إلَّا لتعود أشدَّ إشراقا.

وما كان موته – عليه السَّلام – إلَّا مثل احتجاب القمر، ما غار إلَّا ليؤوب أكثر لمعانا.

والله تعالى وحده يعلم أنَّه بموته تموت أمَّة، وتذهب ملَّة، كما بغياب الشمس يظلمُّ أفقٌ وينطفئ نهار؛ لذلك جعلهم أنواراً يتصل الشعاع منهم بالشعاع، ويمتُّ الضوءُ منهم إلى الضوء، فإذا هم وَضَحٌ من نهار النبوَّة، وسناءٌ من قبس الإمامة، وبريقٌ من مشكاة العصمة يمتد عمره من ضياء الفجر الأول للخليقة فيستطيل على الكون صبحاً، ويستظهر على الخلائق نهارا، ثم يعود إلى مستقرّه الأول أنواراً على ساق العرش، وأشباحاً في عالَم الأظلَّة.

وُلد الإمام الصادق – عليه السلام – كما يولد النور من النَّار، وخرج إلى الدنيا كما يخرج السيف من الغمد، وكان في عصره بين الأنام كالجمعة بين الأيام، لا يقاس إلى فضله فضل، ولا يوازيه في المجد مواز.

سبب تلقيبه – عليه السلام – بالصادق.

وإنَّما سُمّي بجعفر الصادق، لأنَّ "جعفر" نهرٌ في الجنَّة، والصَّادق تمييزاً له عن جعفر الكذَّاب كما في مضمون بعض الروايات.

الإمام الصادق – عليه السَّلام – بين دولتين.

ذوى عصر بني أمية وذبل، وبسق عصر بني العبَّاس وسمق، وبين إدبار أمس الذاهب بملوكه، وإقبال الغد الجائي بسلاطينه استثمر الإمام – عليه السلام – هذه النهزة، واغتنم هذه الفرصة فنشر في ربيع علومه أحاديث آل محمدٍ – عليهم السَّلام -  فلم يزل يتنسَّم هبوبها أسلَّة الأقلام، وتستروح ريَّاها سطور القراطيس.

حتى إذا مات السَّفاح، وتقلَّد الحكم الدوانيقيّ ضيَّق عليه الخِناق، فأراد أن يستميل الإمام بادئ ذي بدء فكتب إليه: لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟ 

وأنت لو تدبَّرت هذه الكلمة لوجدت الإمام – عليه السلام – غريباً في نهجه، وحيداً في ثورته، فالنَّاس يأتون السلطان حتى صار غشيانهم السلطان سجية، واتيانهم الخليفة عادة، فأجابه الإمام – عليه السلام – بكلمةٍ هي التي خلَّدت التاريخ، كانت أمضى من السيف في يد الشجاع، وأمرَّ من الموت في حلقوم العصاة :

" ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنيك، ولا تراها نقمة فنعزيك، فما نصنع عندك ؟ " 

لله درُّك يا جعفر بن محمدٍ، لم تلقمه حجراً غصَّ به حلقوم حجَّته، بل أبلعته جبلاً شرق به بلعوم ذريعته.

فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا.

 فأجابه – عليه السَّلام - :" من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك" 

وأنت ترى أن المخذول اختصر عبارته في رسالته، ولعمري لقد عرف أن طول الكلام في حضرة سيد الكلام يُوقع في العثار، ومع ذلك شقَّق له الإمام – عليه السلام – ما وراء كلامه من تفرّعات، فلم يبق له في كنانة التملص سهماً من معذرة، ولا ترك له في جعبة التنصّل نبلاً من تسويغ.

شهادته – عليه السَّلام -

لم يزل المخذول يتربّص بإمامنا – عليه السَّلام – الدَّوائر حتى دسَّ إليه السُّمَّ في الخامس والعشرين من شوَّال من سنة 148 للهجرة، فدُفن في جنَّة البقيع، فزادت إلى مرابعها الخضراء روضة، وزانت بقاعها الزاهرة مرجا.

كراماته – عليه السلام -

بقي أن أشير إلى شيءٍ من كراماته، سأل حماد بن عيسى الإمام الصادق -عليه السلام -أن يدعو له ليرزقه الله ما يحج به كثيراً ، وأن يرزقه ضياعاً حسنة ، وداراً حسنة، وزوجة من أهل البيوتات صالحة ، وأولاداً أبراراً.

 فقال الإمام الصادق -عليه السلام –"اللهم ارزق حماد بن عيسى ما يحج به خمسين حجّة، وارزقه ضياعاً حسنة ، وداراً حسناً ، وزوجة صالحة من قوم كرام ، وأولاداً أبراراً".

قال بعض من حضره: دخلت بعد سنين على حماد بن عيسى في داره بالبصرة فقال لي: أتذكر دعاء الصادق -عليه السلام - لي؟ قلت : نعم .

قال: هذه داري، وليس في البلد مثلها، وضياعي أحسن الضياع ، وزوجتي من تعرفها من كرام الناس ، وأولادي هم من تعرفهم من الأبرار ، وقد حججت ثمانية وأربعين حجّة .

قال: فحجّ حماد حجّتين بعد ذلك، فلمّا خرج في الحجّة الحادية والخمسين، ووصل إلى الجحفة ، وأراد أن يحرم دخل وادياً ليغتسل ، فأخذه السيل ومر به ، فتبعه غلمانه فأخرجوه من الماء ميّتاً ، فسمّي حماد غريق الجحفة .



التعليقات