فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، مما أثار تساؤلات حول سياسته تجاه الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي باتت على صفيح ساخن منذ ظهور الجنود الإسرائيليين وهم "يُسحلون" في مقاطع فيديوية في السابع من أكتوبر، تشرين الأول بعملية مُفاجئة عرفت لاحقاً بـ "طوفان الأقصى".
يعتقد الكثيرون أن ولاية ترامب الثانية ستحدث "تحولاً كبيراً" في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، ولكن لا يوجد اتفاق على شكل هذه السياسة، فكيف سيتعامل ترامب وإدارته مع الحروب في المنطقة؟ وهل سيكون بإمكانه إيقاف حروب خاسرة دون تدارك هذه الخسارة؟ هل بمقدور ترامب وإدارته أن يتغافلوا عن حجم الأموال التي أنفقت في دعم هذه الحروب دون تحقيق أهدافها؟
إن أهمّ ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن ترامب يسعى منذ ولايته الأولى إلى إظهار نفسه كقائد قادر على حل الصراعات الدولية، حتى تلك التي استمرت لعقود مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، واستعان بكل الوسائل المتاحة لديه لإثبات هذه الغاية سواء كانت القوة أو الدبلوماسية، في سبيل هذا فإن خيارات تحقيق هذا الهدف -إيقاف الحرب- يبقى قائماً وقابلاً للتحقيق ما لم يصطدم بتحديات أخرى.
موقف ترامب من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني
تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بتهدئة الوضع في المنطقة، وبعد فوزه، وأعلن أنه "سيوقف الحروب"، بل سبق له أن كرر على مدى العام الماضي مقولة إنه لو كان في الحكم لما وقعت هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول المعروفة بـ "طوفان الأقصى".
ومنذ ذلك الحين وترامب يدعو إلى إنهاء سريع للحرب الإسرائيلية على غزة، وقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "عليك أن تنهيها وتفعل ذلك بسرعة".
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يعتقد أن إدارة ترامب ستمنحه "حرية كاملة" لاستمرار الحروب الإسرائيلية في غزة ولبنان، سيما وأن ترامب سبق وقد دعمه في ولايته الأولى في توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
غير أن الأمر هذه المرّة يختلف كثيراً، بسبب ما حققه "طوفان الأقصى" من نتائج مفاجئة للجميع غيّرت المعادلة تماماً، مضافاً إلى هذا القدرة الكبيرة التي أظهرها حزب الله اللبناني في إحراج الجيش الإسرائيلي الذي لا يزال يرواح في مكانه منذ بدء المواجهات.
هذا وغيره سوف يدفع ترامب في اتجاه مختلف بعيد عن دعم نتنياهو في حربه، وكل ما سيفكر فيه ترامب وإدارته هو الخروج من هذا المأزق العالمي الخطير بأقل خسائر ممكنة، فهذه الحرب ليست الحرب التي ينبغي للولايات المتحدة الأمريكية أن تنشغل وتستنزف فيها مع وجود صراع مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية!
الأمر الآخر الذي ينبغي الالتفات له هو التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة خلال الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس الأمريكي بايدن، وهو ما سيواجهه الرئيس المنتخب ترامب فيما لو قرر أن يدعم استمرار الحرب ضد فلسطين وحزب الله، سيما وأن هذا التوتر يرتبط بقوانين قد أقرّت في إسرائيل واعتبرتها إدارة بايدن بأنها متطرّفة، وكذلك اختلاف الرؤى حول كيفية التعامل مع الصراع بين فلسطين وإسرائيل، فضلاً عن تجاهل إسرائيل للنصائح الأمريكية في هذا الصدد!
في هذه الحرب تحديداً، ظهرت الولايات المتحدة وإدارة بايدن على وجه الخصوص وهي "تركض في مكانها" في كل محاولاتها لمنع إسرائيل من توسيع دائرة الحرب في المنطقة، وهو ما سيجعل ترامب وإدارته في حرج شديد فيما لو قرر أن يسير على نهج بايدن، وهنا يأتي دور الحاجة إلى قرار حازم وحاسم من إدارة ترامب لوقف تخبط الإدارة السابقة.
ويبقى سؤال آخر: هو كيف سيتمكن ترامب من وقف هذه الحرب؟ وقبل هذا ما هي المخاوف التي من الممكن أن تحول دون تحقيقه؟
لابد من الاعتراف أولاً بأن هناك قلق قديم من مواقف ترامب المتأرجحة خصوصاً فيما يتعلّق بالملف الفلسطيني، وهو ما يدفع باتجاه تبنّي أن يكون الحديث عن إيقاف الحرب مجرّد دعاية انتخابية ستصطدم لاحقاً بتحديات خارجة عن سيطرة إدارته، وبذلك لن تكون هناك أي خطط حقيقية للعمل.
هذا التأرجح قد يجعل من تنفيذ هذه الوعود التي أطلقها ترامب خلال حملته الإنتخابية أمراً مستحيلاً مع وجود أطراف في هذه الحرب لا تثق به وتراه عدواً ينبغي مواجهته هو الآخر مثل إيران وحزب الله.
قد تصطدم أيضاً خطط ترامب في إيقاف الحرب مع وجودها بمحاولات رفض من قبل حماس وحزب الله وإيران، وهو ما قد يجعل ترامب في حرج شديد قد يدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى مواجهة مباشرة مع إيران وحلفائها وهو ما تحاول تجنّبه منذ سنوات.
أيضاً ربما يسعى ترامب إلى اتباع سياسات أخرى مثل التدخل الدبلوماسي بشروط إسرائيلية، أو صفقة "ضغط سريع" لإنهاء هذه الحرب ولو بشكل مؤقت.
كذلك لا يمكن عدم التفكير في خيار قد يلجأ له ترامب وهو ممارسة المزيد من الضغط على إيران كجزء من استراتيجيته لتحقيق وقف للحرب.
ختاماً: المؤكد أن ترامب كغيره من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية يعمل وفق سياسة تضعها الدولة العميقة المتحكّمة بشكل غير مباشر في القرارات داخل البيت الأبيض وكذلك في إسرائيل، والتي تؤيد الكيان الغاصب، لكن هذا لا يمنع ترامب من المحاولة لتحقيق صورة الرجل القادر المرسل من الله -كما يعتقد- على حلّ المشاكل في العالم وأهمّها الحرب الإسرائيلية ضد فلسطين ولبنان.