الخميس 7 ذو القِعدة 1445هـ 16 مايو 2024
موقع كلمة الإخباري
الأخلاق في أرض الإلحاد: هل يمكن أن تنمو الورقة من دون شجرة؟!
الشيخ مقداد الربيعي - باحث وأستاذ في الحوزة العلمية
2024 / 03 / 31
0

في عالم الإلحاد يبدو أن البحث عن الأخلاق، كالسير وراء سراب، فبدون الإيمان بقوة أعلى، تتلاشى الأسس الصلبة للقيم الأخلاقية، كالضباب تحت أشعة شمس الشك.

في آخر وأروع رواياته (قصة الإخوة كارامازوف)، يقول الكاتب فيودور دوستويفسكي: «لو لم يكن هناك إله، فكل شيء مُستباح»، وهو عين ما قاله من قبله الفيلسوف والمفكر الإنجليزي جون: «لا يمكن التسامح على الإطلاق مع الذين يُنكرون وجود الله... فالوعد والعهد والقسَم من حيث هي روابط المجتمع البشري: ليس لها قيمة بالنسبة إلى الملحد!! فإنكار الله حتى لو كان بالفكر فقط: يُفكك جميع الأشياء». رسالة في التسامح، ص 57.

ولنضرب مثلاً، لإثبات كلام جون لوك، فكما تعودنا في حياتنا الخاصة، أو من خلال ما نراه في الأفلام والمسلسلات، نشاهد حرص القاضي على أداء اليمين من قبل الشاهد قبل شهادته، وذلك لإحراجه أمام ضميره – ذلك الضمير اللامادي الذي لا يعترف بوجوده الملحد أصلاً - وهنا لنا أن نتخيل ذلك الموقف المُضحك عندما يقف الملحد في قاعة المحكمة ويطلب منه القاضي أداء القسم، فعلى ماذا سيُقسم وبماذا يَدين؟!

فما الذي يمنعه من إعانة ظالم في ظلمه، حتى لو كان المظلوم يتيماً قاصراً أو امرأة عاجزة؟ أو ما الذي يمنعه من مساعدته في التخلص من عقوبة مستحقة؟

هذه الصورة الهزلية نتجت بسبب انعدام معاني الأخلاق والأمانة لديه، لتحل محلها معاني المصلحة الشخصية أو الانتهازية أو مصلحة مَن يدفع أكثر؟

نعم، نحن لا ننكر إمكان صدور شهادة الزور حتى من المتدين، لكنه وقتئذ يكون مخالفاً لضميره، ومعانداً له، هذا الضمير الذي تَكَوَنَ نتيجة الوازع الديني، فالمسلم يقرأ في كتابه الكريم قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..الآية)، النساء: 58، ويسمع عن نبيه صلى الله عليه وآله، أنه أبقى علياً في مكة بعد هجرته لرد أمانات الناس، رغم انهم من المشركين، وعن إمامه زين العابدين عليه السلام، الذي قال: « عليكم بأداء الأمانة، فوالذي بعث محمداً بالحق نبياً لو أن قاتل أبي الحسين بن علي عليه السلام ائتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه»، أمالي الصدوق، ص148، لا يمكنه بسهولة مخالفة ضميره وخيانة الأمانة، فقد شكل الخطاب الديني للمسلم ضميراً حياً ونفساً تلومه على فعل القبيح.

وبخصوص المثال المذكور، وهو شهادة الحق، يقول جل في علاه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) النساء 135. والآية لا تحتاج إلى شرح، وقد عدّها القائمون على كلية القانون بجامعة هارفارد Harvard University إحدى أعظم مقولات العدل في التاريخ الإنساني!! فاختاروها لتكون من ضمن المنقوش على الحائط الرئيسي المواجه للمدخل.

Kutipan ayat Al-Quran pada Fakultas Hukum. Universitas Harvard

الصورة منقوشة على الحائط الرئيسي لكلية القانون في جامعة هارفرد

فهناك إذن فارقٌ جوهريٌ بين المؤمن والملحد في وجود رادع عقلي قلبي قبل الجريمة، وهو ما يجعل المؤمن مترددًا قبلها أو ينزع للتوبة بعدها، أما عند الملحد فلا، لأنه لا يرى أي قيمة أخلاقية، وإنما الإنسان عنده عبارة عن مجموعات ذرات تجمعت صدفة واتفاقاً، يقول أشهر علماء الفيزياء والفلك الملحدين ستيفن هوكينج: «الجنس البشري ليس إلا حثالة كيميائية على سطح كوكب متوسط الحجم»، Reality on the Rocks: Beyond Our Ken.

وهذا ملحد تطوري آخر وهو السير ديفيد أتنبره كتب في مقال على موقع Infowars.com, بتاريخ 18 سبتمبر2013، ما نصه: «أوقفوا إطعام أمم العالم الثالث لتقليل عدد سكان العالم».  فإذا كانت هذه هي نظرة علماء الملاحدة، فكيف بعوامهم وسفهائهم؟!

فالويل ثم الويل لهذا العالم إذا تولى فيه الملحدون مقاليد السياسة والحكم، وما حكم ستالين ولينين وماو تسي تونغ وبول بوت ببعيد، حين أبادوا الملايين من شعوبهم وشعوب غيرهم لأتفه الأسباب، أو لفرض الإلحاد والشيوعية عليهم.

 حيث نرى مثلاً القاتل السفاح جيفري دامر والذي قتل 15 من الشباب تقريبًا وقطع أجسادهم وكان أحياناً يسلخ ويأكل أجزاءً منهم أو يحتفظ بهياكلهم العظمية، يقول في لقاء مع NBC والمذيع ستون فيليبس 1994م بعد القبض عليه: «إذا شخص لا يؤمن بوجود إله ليُحاسبه، إذن ما هي الفائدة من محاولة تعديل تصرفاتك لتبقى في الحدود المقبولة؟! هذا ما اعتقدته على أي حال، كنت دائمًا أعتقد بأن نظرية التطور حقيقة، بأننا أتينا من الوحل: عندما نموت، لا يوجد شيء».

نلاحظ أن السفاح جيفري دامر يقر بأن سبب جرائمه عدم وجود ما يمنع من ذلك، متى ما استطاع التغلب على القوانين والأجهزة الأمنية، بل أن هذا ما يؤسس له أعمدة وأركان الإلحاد الجديد كسام هاريس، حيث يقول بخصوص جريمة الاغتصاب: «لا يوجد شيء طبيعي أكثر من الاغتصاب. البشر تغتصب، الشيمبانزي تغتصب، الأورانجتون تغتصب، الاغتصاب من الواضح هو جزء من الاستراتيجية التطورية لتمرير جيناتك إلى الجيل اللاحق» ABC Radio National, Stephen Crittenden interviews Sam Harris

وهذا ريتشارد دوكنز يقلل من أهمية الخيانة الزوجية، ويدعو لشيوع الزنا في مقالته (إبعاد الوحش ذي العين الخضراء): «لماذا كل هذه الهواجس حول الإخلاص لزوجة واحدة؟ لماذا نعتبر كلمة الغش هي الوصف لذلك؟! ولماذا يشعر الإنسان بأن له ملكية خاصة في جسد إنسان آخر». http://old.richarddawkins.net/articles/1926-banishing-the-green-eyed-monster

من خلال ما تقدم نفهم السبب الذي جعل أكثر الغربيين لا يثقون بالملحدين، فقد أكدت الدراسات الاستقرائية أن نسبة كراهية الملحدين في أمريكا وحدها بلغت 39.6%، وهو ما عبرت عنه جريدة News Junkie Post الشهيرة بعددها الصادر في 19/ 9/ 2009، في عنوانها الصريح (الأبحاث تثبت بأن الملحدين هم أكثر الفئات كرهاً وانعدام ثقة).



التعليقات