الأربعاء 22 شوّال 1445هـ 1 مايو 2024
موقع كلمة الإخباري
تحليل: ما الذي أجبر أبو بكر البغدادي على الظهور؟
تحليل: ما الذي أجبر أبو بكر #البغدادي على الظهور؟
2019 / 05 / 01
0

متابعة - كلمة

لأول مرة منذ خمس سنوات، ظهر أبو بكر البغدادي، الزعيم المنعزل لتنظيم (داعش)، عبر شريط فيديو، متحدثاً عن مجموعة من المواضيع.

فلماذا شعر البغدادي فجأة بالحاجة إلى الظهور على الكاميرا والتحدث إلى أتباعه في شريط فيديو مدته 20 دقيقة تقريباً؟ تتعلق الإجابة بكيفية تلاقي بعض الأحداث الأخيرة مع احتياجات تنظيمه على المدى البعيد.

1- دعم معنوي للأتباع 

تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية، إن ظهور البغدادي يأتي في أعقاب الهزيمة الأخيرة التي مُنِيَ بها تنظيم داعش، وخسارته آخر ما تبقَّى من أراضي الخلافة في سوريا. لذا يحاول البغدادي في الفيديو طمأنة أتباعه بأنَّ «مقاتلي التنظيم حاربوا في باغوز ببسالة، ورفضوا الاستسلام وسفكوا الدماء لصدِّ قوات التحالف».

أما من ناحية أخرى، فيُمكن أن يكون المقصود بهذا الظهور هو أنه يتزامن مع وصول شهر رمضان المبارك، الذي عادةً ما استغلَّه «داعش» لشنِّ هجمات في مختلف أنحاء العالم.

2- التكتيك

أمَّا من منظورٍ تكتيكي، فيمكن أن تكون هذه الرسالة وسيلة لحثِّ أنصار التنظيم ومقاتليه على شنِّ هجمات، لا سيما الإرهابيين المعروفين بـ «الذئاب المنفردة»، الذين ربما كانوا يفكرون في شنِّ هجوم باسم التنظيم.

البغدادي ظلَّ منعزلاً بعيداً عن الأنظار فترة طويلة، لذا من المرجَّح أن يكون ظهوره المفاجئ بمثابة دعمٍ معنوي لأنصار التنظيم ومقاتليه المتبقين، وحافزاً للأفراد أو الجماعات الصغيرة على فعل شيء. وربما كل ما في الأمر أنَّه يحاول أن يُثبت لأتباعه أنه ما زال على قيد الحياة، على الرغم من الادعاءات العديدة من جانب الروس بأنهم قتلوه. 

3- التذكير بالأمجاد وقياس الصراع بالأفق الزمني

يستميل البغدادي أنصارَه بتذكيرهم بالجانب الزمني لهذه المعركة، الذي لا يمكن قياسه في شهور أو سنوات، بل في أفق زمني أطول بكثير. إذ يقول في الفيديو: «بكل صدق، معركة الإسلام وشعبه مع الصليب وشعبه معركة طويلة، وقد انتهت معركة باغوز، وتجلَّت فيها وحشية أمة الصليب وهجميتها تجاه أمة الإسلام».

وهذه محاولةٌ لإبراز معركة باغوز على أنَّها واحدة من العديد من المعارك التي سيخوضها تنظيم داعش وأنصاره على مرِّ السنوات والعقود القادمة. ويمكن أن يكون الهدف من قياس الصراع بهذا الأفق الزمني هو إدخال الأمل في نفوس أولئك الذين يريدون إعادة إقامة الخلافة -التي كانت في حدِّ ذاتها مناسبة تاريخية وقوة حشد لجذب المجندين إلى التنظيم- يوماً ما.

4- الانتشار في مناطق جديدة

إذ أكَّد البغدادي أنَّ الخلافة لم تُهجَر، بل تعرَّضت للغزو، وأنَّ أي انتصار عسكري أحرزته القوات الغازية سيكون مؤقتاً. والدليل على ذلك أنَّ يقبل البغدادي البيعة من جماعاتٍ جديدة في أماكن مثل بوركينافاسو ومالي، لإثبات أنَّ التنظيم ما زال قادراً على التوسع والانتشار في مناطق جديدة، على الرغم من خسارته الأراضي في سوريا.

وفي إشارةٍ إلى الطبيعة القومية التي يتسم بها التنظيم، ذكر البغدادي كذلك العديد من المقاتلين الأجانب المعروفين بالاسم صراحةً، من بينهم المقاتلان الفرنسيان سيّئا السمعة فابيان ميشيل كلين وشقيقه جان ميشيل كلين.

وجديرٌ بالذكر أنَّ وسائل إعلام التنظيم منذ بدايته تجاوزت محدودية تفكيره، لتُركِّز على الجوانب العالمية للحرب على الغرب، مهددةً خصومه ومشيدةً بمقاتليه الذين شاركوا في هجمات في بلجيكا وفرنسا وتركيا وأماكن أخرى.

5- يحاول الظهور كأنه ما زال مسيطراً

وهناك كذلك بعض الأسباب الأخرى، التي ربما جعلت البغدادي يشعر بأنَّه يجب أن يظهر عبر الكاميرا مرةً أخرى. ففي أعقاب الهجمات التي وقعت في سريلانكا، تساءل الكثيرون في وسائل الإعلام وأماكن أخرى عن الدور الذي أدَّاه تنظيم داعش، وشكَّكوا بشدةٍ في أنه ما زال قادراً على إقامة شراكة مع جماعةٍ إرهابية محلية.

لكنَّ البغدادي، بإشارته إلى بعض الأحداث الأخيرة بما في ذلك هجمات عيد الفصح في سريلانكا، يعيد تأكيد قيادته، ويشير إلى أنه يُمسك بزمام القيادة والسيطرة على ما تبقى من التنظيم، ليس فقط في العراق وسوريا، ولكن على نطاق أوسع في الجماعات البعيدة التابعة له.

6- استغلال اضطرابات المنطقة والثورات الجديدة

وعلاوة على ذلك، يشير ذكره للاحتجاجات في السودان والجزائر إلى أنه ربما يأمل في تجنُّب الفخ الذي وقع فيه تنظيم القاعدة في الأسابيع والأشهر الأولى من الربيع العربي، إذ فوجئ أسامة بن لادن والقيادات الأخرى في التنظيم بما حدث آنذاك في القاهرة ودمشق وطرابلس.

ويبدو أنَّ البغدادي يحاول المبادرة إلى السيطرة على هذه الثورات، بإقحام تنظيم داعش في المشهد، واستمالة «قلوب وعقول» مواطني هذين البلدين. إذ وصف البغدادي عبدالعزيز بوتفليقة وعمر البشير بأنَّهما «طغاة»، قبل أن يعود إلى سبب وجود تنظيم داعش «وهو الجهاد في سبيل الله»، الذي يعتبره «الترياق الوحيد لإصلاح هذه المجتمعات العالقة».

وبينما يُركَز حديثه في الفيديو على الأحداث الجارية، بما في ذلك إعادة انتخاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في إسرائيل، لا يتضمَّن الكثير عن رأي البغدادي في الاتجاه المستقبلي للتنظيم. ومن الواضح أنه يرى أهميةً في توسيع نطاقي التنظيم الإقليمي والجغرافي، لكنَّه لم يذكر شيئاً عن كيفية نجاح فروع التنظيم في جنوب آسيا مستقبلاً، في تجنُّب المصير الذي حلَّ بالتنظيم الأساسي في العراق وسوريا.

7- إثبات أنَّه على قيد الحياة 

وفي الواقع، قد يكون البغدادي أشبه ببعض الرؤساء التنفيذيين لمنظماتٍ أخرى، أي أنَّه مشغول بالتفاصيل اليومية لإدارة المنظمة، لكنَّه يفتقر إلى رؤية أشمل وأكثر استراتيجية لكيفية التكيف مع المشهد المتغير. وهذا على العكس تماماً من بن لادن، الذي -على الرغم من كل مراوغاته أثناء اختبائه في باكستان- كان يجد وقتاً للتركيز على التكتيكات والاستراتيجية، مع تقديم مخططٍ لمستقبل تنظيمه.

على كل حال، قد لا  يكون ذلك مهماً؛ فالبغدادي، بظهوره في شريط فيديو لأول مرة منذ خمس سنوات، ربما يكون قد حقَّق كل ما كان يريده: إثبات أنَّه على قيد الحياة، مع إثبات سيطرته على فلول التنظيم المتعثرة، التي لم تُهزَم بعد، وتحريض أتباعه على تنفيذ هجمات. وبجذب انتباه العالم، قدَّم البغدادي رسالةً «تحمُّل وأمل» إلى أتباعه.


التعليقات