شامل عبد القادر
في زيارة لي لطبيب بدرجة بروفيسور في الحارثية وهو من معارفنا المقربين جرى حديث بدأ به الطبيب وانهاه بنفسه وكان مجمل كلامه عبارة عن حكمة انسانية تدل على صفاء الذهن ونبل السريرة والاخلاص في العمل مع التزام الدقة وقد رمى في حديثه الممتع الى نقد سلوكيات يلجا اليها بعض المرضى وهم في غنى عنه ماداموا على وفق دراية وعلم ومراقبة ومتابعة طبيبهم اي ان – وهذا ماراد ان يقوله الطبيب البروفيسور – بعض المرضى لا يلتزمون برأي الطبيب وعلاجاته برغم انه المتخصص الاول والمرجع الاخير لمريضه ويقول البروف مبتسما: اذا سالت صاحب اعلى شهادة او ادنى متعلم او حتى الامي: من هو الفاهم المهندس ام الاسكافي؟ اجاب على الفور: طبعا المهندس افهم من الاسكافي .. وتساله ايضا: ولكنك لماذا تذهب بحذائك الممزق او المفتوق الى الاسكافي وليس الى المهندس مادمت تعرف وتعترف وتقر ان المهندس هو افهم من الاسكافي؟! يجيب: بالطبع اذهب الى الاسكافي لان شغلته ترقيع الاحذية وليست هي من اختصاص المهندس !!
وهنا يضحك البروف ويقول: بعض المرضى عندما يراجعون الطبيب يستشيرون غيره من غير الاطباء اي يستشيرون صديق او قريب: اخذ هذا الدواء ام لا وووو كما في مثالنا السابق انهم بدلا من التمسك بوصايا الطبيب يذهبون للاسكافي واقصد انا بالاسكافي اي الشخص غير المختص او غير الاختصاصي !!
ويتساءل البروف: هل يجوز هذا السلوك الغريب الذي لايقتصر في واقع الامر على مستوى معين بل هو في الاغلب والعموم يشكل الكثير من مراجعي الاطباء !!
تاملت كثيرا كلام الطبيب وتمعنت مليا في مثاله الذي اورده وايقنت ان مايعانية الطبيب – اي طبيب – في ظاهرة عمت العراقيين وصارت جزء من السلوك الثقافي والاجتماعي وهو ان الجهل لايقتصر على الامي فقط بل يزحف على عقول ومواقف كثير من المتعلمين بسبب عدم الثقة بالنفس او القلق الشديد الذي يجعله حائرا في اتخذا القرار !
نحن بدورنا في مرات كثيرة نعاني مما اورده الاخ الطبيب مع الاخرين في اختصاصنا فنجد من يتبرع ان يكون ( مؤرخا ) وليس الا ببغاء يردد مايسمعه من الاخرين واخر يتبرع ان يكون عالما في المناخ والجو والطقس اكثر من صاحب الاختصاص واخر شغلته البقالة او القصابة لكنه يموت غراما بالحديث ورواية قصص وخرافات وحواديت ماانزل الله بها من سلطان عن حكام العراق او احداث العراق كما لو كان هو علي الوردي وان علي الوردي هو القصاب او البقال او الفيترجي !!
ايها المنصفون الم تسمعوا بالمثل العراقي العتيق جدا: اعطوا الخبز لخبازته!
ورحم الله امرء عرف قدر نفسه !