الجمعة 17 شوّال 1445هـ 26 أبريل 2024
موقع كلمة الإخباري
يحمل استقالته في جيبه: «عبدالمهدي» رئيس الحكومة العراقية يغادر مكانه خلف المعممين
يحمل استقالته في جيبه: «عبدالمهدي» رئيس الحكومة العراقية يغادر مكانه خلف المعممين
2018 / 10 / 23
0

بغداد- حتى تنال كابينته المرتقبة ثقة البرلمان العراقي، لا يمكن القول إن عادل عبدالمهدي هو رئيس الوزراء العراقي القادم. وحتى لو نالت كابينته الثقة، سيبقى وجوده في أعلى منصب تنفيذي، أمرا مؤقتا، مرهونا بالظروف التي تحيط به، فالرجل يحمل استقالته في جيبه.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يجري فيها ترشيح عبدالمهدي لهذا المنصب، بل هو أكثر من ترشح لرئاسة الوزراء خلال الدورات الماضية، لكنه كان يخرج من المنافسة كل مرة لأسباب تتعلق بالتوافقات، أو بضعف الدعم السياسي الذي يسنده، أو الخشية من أن ينقلب على الجهة التي رشحته. ولعل المفارقة تكمن في أن عبدالمهدي، لم ينل ترشيحه الكامل هذه المرة، إلا بعد أن غادر انتماءه الحزبي، معتكفا على نفسه، ليطل على العالم بعمود صحافي من بوابة صحيفة العدالة، التي أسسها منذ أعوام، وما زالت ملكه.

ينحدر عبدالمهدي من أصول شيعية أرستقراطية في جنوب العراق، فقد كان والده عبدالمهدي المنتفجي إقطاعيا كبيرا مطلع القرن العشرين، وهو ما أتاح لنجله فرصة الاطلاع على تجارب العالم الحديث مبكرا، حتى دار في فلك أيديولوجيات متناقضة، إذ بدأ في خارطة الميول السياسية قوميا، ثم مال إلى اليسار، قبل أن يستقر إسلاميا، على يد محمد باقر الحكيم، الذي كلفه في الثمانينات بتمثيل المجلس الأعلى في فرنسا، وهو تجمع أسسته ورعته إيران خلال حرب الثماني سنوات مع العراق، وضم الكثير من معارضي نظام صدام في المنفى.

تحولات حزبية

تشكل هذه التحولات نقطة جدل مستمر بين خصوم وأنصار عبدالمهدي، إذ يقول خصومه إنه مجرد باحث عن غطاء قوي يصل به إلى الواجهة، وكثيرا ما اتهموه بالانتهازية، فيما يرى أنصاره أنها تحولات فكرية طبيعية، تفرضها طبيعة التجربة وظروفها.

رئيس الوزراء المكلف أكثر من ترشح لهذا المنصب من قبل خلال الدورات الماضية، لكنه كان يخرج من المنافسة كل مرة لأسباب تتعلق بالتوافقات أو بضعف الدعم السياسي الذي يسنده أو الخشية من أن ينقلب على الجهة التي رشحته

رئيس الوزراء المكلف أكثر من ترشح لهذا المنصب من قبل خلال الدورات الماضية، لكنه كان يخرج من المنافسة كل مرة لأسباب تتعلق بالتوافقات أو بضعف الدعم السياسي الذي يسنده أو الخشية من أن ينقلب على الجهة التي رشحته

ومنذ لحظة الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين، العام 2003، بدا واضحا أن عبدالمهدي سيلعب دورا سياسيا كبيرا في المشهد العراقي الجديد. وعندما تولى عبدالعزيز الحكيم زعامة المجلس الأعلى بعد مقتل شقيقه محمد باقر الحكيم في تفجير بالنجف، كان عبدالمهدي يجلس خلف الزعيم الشيعي الصاعد، الذي دعمته إيران بقوة في كرسي رئاسة العراق الدوري ضمن ما عرف بمجلس الحكم، الذي شكله الحاكم المدني للعراق بول بريمر آنذاك.

تنقل عبدالمهدي بين حقائب وزارية مهمة، وأدار ملفات حساسة، سياسية واقتصادية، لكن صلته بالمجلس الأعلى ضعفت كثيرا بعد وفاة عبدالعزيز الحكيم، وتولي نجله عمار القيادة.

انتخابات بلا رأس كبيرة

عندما انشق عمار الحكيم عن المجلس الأعلى، بعد صراع قوي مع قياداته التقليدية، اختار عبدالمهدي أن ينزوي بعيدا، تاركا زملاءه المخضرمين، وفي مقدمتهم باقر صولاغ وهمام حمودي، يخوضون صراع البقاء السياسي، ضد القيادة الشابة التي يمثلها عمار الحكيم.

وفي هذه اللحظة، كان يمكن القول إن الصلاحية السياسية لعبدالمهدي انتهت تقريبا، إذ لم يعد حاضرا بأي شكل من الأشكال في الساحة، إلا من خلال عمود صحافي يومي ينشره في صحيفة العدالة، يعلق خلاله بتحفظ على التطورات السياسية والاقتصادية.

ولم يكن للروح أن تعود إلى جسد عبدالمهدي السياسي، لو لم تفرز الانتخابات العامة في العراق، التي جرت في مايو الماضي، خارطة من الفائزين بلا رأس كبيرة في الأوساط السياسية الشيعية، فما كان من حل سوى البحث عن مرشح تسوية لمنصب رئيس الوزراء، الذي لم يكن بمقدور أحد من الفائزين المطالبة به.

ومع ذلك، أتيحت لعبدالمهدي فرصة لم يحصل عليها أحد من سابقيه، إذ حصل على ضوء أخضر من الصدر للعمل على تشكيل حكومة يغلب عليها التكنوقراط غير الحزبي، وتخلى عمار الحكيم عن حصة حزبه في الكابينة القادمة، وأعلنت أطراف سياسية سنية أنها لن تمانع لو ذهبت مقاعدها في الحكومة الجديدة إلى مستقلين.

ولا تتعلق هذه الفسحة بعبدالمهدي نفسه، قدر تعلقها بالأجواء التي ترافق تشكيل حكومته، فالمفاوضات تدور تحت ضاغطين، كلاهما يقلق حلفاء إيران في العراق، أولهما الإشارات المقلقة التي قدمتها حركة الاحتجاج الجنوبية الواسعة ضد الطبقة السياسية، وإمكانية أن تتحول إلى “حفلة سحل” للساسة على الطريقة العراقية، وثانيهما العقوبات الأميركية التي دخلت حيز التنفيذ ضد إيران، ومن المنتظر أن تشتد كثيرا مطلع الشهر المقبل.

عادل عبدالمهدي وهو ابن النظام وأحد دعاة نظام المحاصصة، يدرك أن تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة التي تخلف حكومة حزب الدعوة ما هو إلا فخ نصبه له أخوته الفاسدون من أجل أن يمرروا من خلاله صفقاتهم

عادل عبدالمهدي وهو ابن النظام وأحد دعاة نظام المحاصصة، يدرك أن تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة التي تخلف حكومة حزب الدعوة ما هو إلا فخ نصبه له أخوته الفاسدون من أجل أن يمرروا من خلاله صفقاتهم

ويخشى أصدقاء إيران في العراق من أن يؤدي كلا الضاغطين إلى محاصرة نفوذهم الواسع في العراق، ما يؤدي إلى تراجع دورهم في توجيه المشهد السياسي.  وتفسر هذه القراءة أسباب الدعم الذي يحصل عليه عبدالمهدي من أصدقاء إيران، فهو شخصية ليست محسوبة عليهم في النهاية، ويمكنها أن تعبر بالبلاد من هاوية الأزمة التي تواجهها، حتى مع الاضطرار إلى التفريط ببعض المكاسب الشكلية، كالحصة في الوزارة الجديدة.

لذلك، دعمت هذه الأطراف عبدالمهدي، أو صمتت عن ترشيحه في إشارة إلى الموافقة، على أمل أن تمر السنوات الأربع القادمة، من دون هزة كبيرة، يتوقع المراقبون، في حال وقوعها، أن تطيح بالطبقة السياسية، وامتيازاتها.

الآن، وقد استقرت الأجواء حول عبدالمهدي، يترقب المتابعون شكل الحكومة التي سيشكلها وسط تساؤلات بشأن قدرته على الصمود في وجه الضغوط السياسية الهائلة، التي يستوجبها منصب رئيس الوزراء في العراق، وهو الذي عرف عنه اختيار التنحي، كلما لاحت مواجهة.

إلا أنه وفق غالبية المراقبين العراقيين فسياسيو العراق الحاليون على سبيل المثال ليسوا جادين في ما يقولون وما يفعلون بالرغم من أن أفعالهم وكلامهم يقودان دائما إلى نتائج حزينة.

إن لم يكن التهديد بحرب طائفية فالأقل هو الفقر والجهل والحرمان من نعمة النظر إلى الحياة باعتبارها حقا لا يمس والتعامل معها على أساس كونها مسألة لا يمكن تقويضها بسبب خلاف عقائدي.

فعادل عبدالمهدي وهو ابن النظام وأحد دعاة نظام المحاصصة يعرف كل ذلك وأكثر. لذلك  فإنه يدرك أن تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة التي تخلف حكومة حزب الدعوة ما هو إلا فخ نصبه له أخوته الفاسدون من أجل أن يمرروا من خلاله صفقاتهم. وهو ما دفعه إلى أن يشهر سلاح السخرية في وجوههم.

في النهاية ما حدث في العراق على مستوى سياسي لا يمكن حصره بهزيمة ما سمي بمشروع الإصلاح ومحاربة الفساد المستشري في بنية الدولة.

التعليقات