الخميس 16 شوّال 1445هـ 25 أبريل 2024
موقع كلمة الإخباري
إستراتيجيا «القناة الجافة» في العراق
إستراتيجيا «القناة الجافة» في العراق
2018 / 10 / 22
0

نجاح عبدالله سليمان

كثيراً ما سمعنا عن المشروع العراقي «القناة الجافة» لربط موانئ الخليج العربي بقلب أوروبا، وعلى التوازي كانت التحركات لربط سككي بهذه القناة من إيران. وفعلاً تمت الموافقة قبل أكثر من ثلاث سنوات على منح إيران حق الربط، إضافة إلى منح حكومة بغداد الكويت أيضاً ربطاً سككياً بالقناة. هي خطط ومساع من طهران لإيصال بضائعها إلى حوض البحر المتوسط عبر العراق وسورية وموانئ لبنان، وهي مشاريع اتفقت عليها الحكومات كما أسلفنا، وبدأ تنفيذها بعد تحرير الأراضي العراقية. نحو ذلك وقعت طهران أخيراً اتفاقات مع كل من دمشق وبغداد بهدف إنشاء طريق عبور سريع بطول 1700 كيلومتر، على أن يبدأ العمل خلال سنتين كحد أقصى، ليمر بعواصم الدول الثلاث.

في الوسط من البروتوكولات السابقة، يأتي السؤال: هل غياب السكك الحديد العراقية عن قطاع النقل في البلاد أمر عفوي؟ لقد تم تحويل السكك الحديد إلى جثث من المعدن تنتشر من البصرة إلى الشمال. علماً أن العراق من أولى الدول في الشرق الأوسط التي مدَّت خطوط سكك الحديد إذ تم تشكيل أول إدارة لها في أيلول (سبتمبر) 1916 ودول العالم اليوم تعتبرها خطوطاً إستراتيجيا يمكنها أن تربط الشرق بالغرب، فلم يعد الارتباطان الجوي والبحري كافيين، إذ لا بد من ربط دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي بقناة جافة وبأقصر طريق ممكنة. وهذا ما تتمتع به خطوط السكك العراقية؛ حيث المسافة القصيرة من ميناء أم قصر وحتى الحدود التركية (1000 كلم)، والتي يمكن قطعها في أمان وبمدة وجيزة وبأبخس الأثمان.

الحكومة العراقية مدعوة للالتفات إلى أهمية خطوط السكك الحديد فهي البديل الأمثل عن واردات النفط ويمكنها توفير آلاف فرص العمل الحكومية والأهلية التي من شأنها أن تدفع بعجلة الاقتصاد وتطوير البلاد. ويبلغ طول شبكة السكك الحديد في العراق 2500 كم، وتعدّ منطقة أم قصر نقطة البداية لهذه السكك حيث يعتبر الكيلو صفر هو ميناء أم قصر وصولاً بهذه الشبكة إلى ميناء خور الزبير والمعامل الصناعية في البصرة.

لا عذر لمن يدعي بأن هناك فوضى حدثت بعد سقوط النظام السابق، وإنما حدث إهمال، فقد كانت البضائع تنقل من ميناء أم قصر إلى أنحاء العراق بواسطة القطارات، وطبيعي أن تدخل مافيات كبيرة وتشارك في شكل مباشر في تعطيل ذلك لحساب سيارات الحمل الكبيرة. وكذلك يدخل في مجال الفساد الإداري والمالي الذي يمر به البلد، مع وجود رجال متنفذين يقومون بتأسيس شركات نقل ويشترون الشاحنات الكبيرة ويحمّلونها أضعاف الحمل الطبيعي لتحصيل أرباح أكبر؛ وهذا ما يتسبب في تدمير الطرق الرئيسة في العراق.

سبق أن أعلن المدير العام لشركة السكك الحديد الإيرانية عبد العلي صاحب محمدي، إنشاء خط سكك حديد (كرمان شاه- خسروي- خانقين- بغداد) يربط إيران بالعراق ومنه إلی سورية. وأعلن وزير النقل العراقي السابق باقر الزبيدي، إن الاتفاق الذي تم إبرامه مع الجانب الإيراني، بهدف ربط سكك حديد البلدين، يتضمن إنشاء خط يصل بين البصرة والشلامجة (منفذ حدودي بين العراق وإيران)، بمسافة تصل إلى 32.5 كيلومتر. ونبه إلى أن أهمية مشروع الربط السككي لا تكمن فقط في تسهيل نقل المسافرين والبضائع، وإنما تستهدف ربط العراق بالكثير من الدول، كنوع من الامتداد لطريق الحرير القديم، الذي كان يربط شرق آسيا بغربها، ويمر بالكثير من الدول الآسيوية ومنها العراق وإيران والصين.

الأردن كان له نصيب، فسبق أن وقّع مع العراق عام 2012 مذكرة تفاهم تضمنت إنشاء خط سكك حديد بين العقبة وبغداد، لكن الأخيرة لم تستطع تأمين التمويل اللازم بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها. وأعلنت مديرية السكك الحديد في العراق البدء بأولى الخطوات الخاصة بإصلاح الخط الرابط بين بغداد والموصل؛ تمهيداً لربط العراق بتركيا. كذلك فإن تخطط الوزارة لربط العراق مع تركيا والأردن وإيران. وسيتم إصلاح خط بغداد- القائم؛ في محافظة الأنبار غرب البلاد؛ لربطه بالأردن.

يقع العراق في عقدة خطوط المواصلات، فكل طرق التجارة البرية بين الشرق والغرب تمرُّ حتماً من خلاله، وإن خطوط الغاز المستقبلية سواء كانت ضمن مشروع «نورث ستريم» الروسي أو مشروع «نابكو» الأميركي تمرُّ خلاله أيضاً، وإن أنابيب الغاز القطرية إلى أوروبا عبر تركيا يجب أن تمر من العراق بحيث إن الاستثمار الصحيح لهذا الموقع يمكن أن يحول البلاد إلى أهم بقعة في العالم، فالاستثمار القائم على أسس علمية يمكن أن يغيّر من خرطة النقل البحري العالمية؛ لأنه سينقل البضائع من جنوب شرقي آسيا إلى أوروبا عبر العراق بالاستثمار في إنشاء القناة الجافة.

التعليقات