الخميس 16 شوّال 1445هـ 25 أبريل 2024
موقع كلمة الإخباري
عن البصرة والإقليم وأشياء أخرى
عن #البصرة والإقليم وأشياء أخرى
2019 / 04 / 17
0

مشرق عباس

الجدل حول إقليم البصرة طويل ومتشعب، ويتكرر بين الحين والآخر بصيغة وأخرى، لكنه ما زال يتمحور حول قضية مركزية تتعلق بمجملها بالإمكانات الاقتصادية وخصوصا النفطية التي تمتلكها المدينة ولا تتوفر في مدن عراقية أخرى، أو أن تلك الإمكانات لم تتم ترجمتها بشكل أثر في حياة أهالي البصرة بسبب الفساد، أو أن لدى البصرة هوية خليجية متمايزة عن هويات باقي مدن العراق، وفي المجمل فإن لدى البصرة فرصة وعليها استثمارها.

هذا الخطاب مبرر في نواح متعددة، فالمدن التي تمثل عصبا اقتصاديا لأية دولة يجب أن تتم رعايتها ليس من باب تمييزها وإنما على الأقل لتوفير بنى تحتية تخدم نهوض الدولة عبر استثمار الإمكانات، وهذا ما لم يحدث ربما على امتداد عمر الدولة العراقية التي لم تنل البصرة منها رعاية استثنائية لتطوير موانئها التي تمثل المنفذ البحري الوحيد للعراق، أو لإدامة الثروة المائية والحيوانية والزراعية فيها، ولا حتى لتطوير إنتاجها النفطي بما يسهم في استثمار سوق العمالة.

المشكلة الإدارية التي تعبر عنها وزارات مركزية مترهلة وفاشلة، لم تتح للمحافظات العراقية فرصة تجاوزها

ومع كل هذا فإن حديث الإقليم كحل أزمات البصرة الخدمية والاقتصادية، لا يمثل إجماعا بصريا، ليس فقط لأن البصرة كحال مدن العراق لم تسع إلى إنتاج هوية سياسية كما سعت إلى ذلك مدن إقليم كردستان، وأنها انخرطت في سياق الأحزاب العابرة للمحافظات، بل لأن مزاج البصرة كان على عكس ذلك تماما منخرط في تدعيم قوة السلطة المركزية.

وبعيدا عن المقاربات الناجحة وغير الناجحة التي مثلتها تجربة إقليم كردستان، فإن مشكلة إدارة الدولة في العراق لن يتجاوزها إقليم البصرة، ليس لأنه غير دستوري، بل لأنه سيكون نسخة صادقة للفشل الذي يصادف الدولة العراقية وهي تحاول الانتقال عبثا من الإدارة المركزية إلى اللامركزية الإدارية.

سيكون من المثمر الحديث أولا عن نضال القوى المدنية العراقية في كل مدن العراق لإجبار الدولة العراقية على التخلي عن نزقها المركزي المزمن، قبل الانتقال لمرحلة الأقاليم، ولأننا في العراق لم نخض أساسا تجربة الحكم اللامركزي لتتمكن المحافظات العراقية من إنتاج رؤيتها الخاصة للإعمار، والاستثمار، والتعليم، وإنتاج القوانين الموائمة، قبل أن نتحدث عن خيار الأقاليم.

المشكلة الإدارية التي تعبر عنها وزارات مركزية مترهلة وفاشلة، لم تتح للمحافظات العراقية فرصة تجاوزها لتحظى على الأقل بتطبيق عادل وهادئ وتدريجي لقانون إدارة المحافظات، الذي أقر عام 2008 وعدل أعوام 2010 و2013 و2017 ويمكنه أن يترجم طموحات المحافظات العراقية كما يترجمها الإقليم وربما أكثر.

الأصوات الداعية لإقليم البصرة، يجب أن تنضم إلى المدنيين العراقيين في كل المحافظات للحديث عن ضرورة إحياء القوانين التي عطلتها السلطات المركزية في بغداد وتخلت عنها الأحزاب العراقية لأنها أحست بخطورة نقل السجال العراقي من كونه سجال طوائف وقوميات إلى سجال وتنافس محافظات.

للأسف، ما زلنا ننتظر انتخابات مجالس المحافظات بعد تأجيل استمر أكثر من عام، ومؤسف أكثر أن هذه الانتخابات لا يراد لها أن تختلف في خريطة نتائجها عن نتائج انتخابات البرلمان العراقي عام 2018 مع أن من المفترض أن تكون معطياتها مختلفة ونتائجها مختلفة وآليات عمليها مختلفة أيضا.

إذا كان لا بد من تركيز الجهود في هذه المرحلة على قضية وطنية محقة، فلا بد أن تكون في منح المحافظات العراقية المزيد من الصلاحيات لإدارة شؤونها والنجاح والفشل أمام جمهورها، بما يضمن توسعة قانون إدارة المحافظات غير المنتظمة بإقليم ليتيح إنتاج قوانين داخلية بتصويت البرلمان الاتحادي، حول أليات الانتخاب وطريقته ومواعيده للحكومات المحلية، بما لا يخضعها لنمط مركزي واحد، وبما يتيح المزيد من الحرية في إقرار التشريعات الداخلية تحت سقف مراقبة وشرعية البرلمان الاتحادي.

إن الدعوات المستمرة للأقاليم في أنحاء العراق لن تتوقف بل سوف تتفاقم، وسنجد حراكا لإقرار إقليم الأنبار وإقليم الموصل وإقليم ميسان وربما إقليم السليمانية، ما لم تتوقف البنية الإدارية المترهلة للدولة ممثلة بوزاراتها عن مقاومة تطبيق قانون إدارة المحافظات الذي يضمن، على الأقل، تماسك الدولة عبر التخلي للمحافظات عن بعض وزاراتها وليس جميعها.


التعليقات