السبت 11 شوّال 1445هـ 20 أبريل 2024
موقع كلمة الإخباري
في لقاء جمع ترامب بروحاني
2018 / 08 / 01
0
مشرق عباس
مثل هذا الاجتماع قد يحدث على أية حال، وقد تتخلى الجمهورية الإسلامية في غمرة الاحتفاء باللقاء عن شعارات «الاستكبار العالمي»، ويقف الرجلان للحديث عن مستقبل زاهر ينتظر العلاقات الثنائية، فيلوح ترمب إلى أنصاره متباهياً بالإنجازات التي حققها استخدام الخوف من أميركا في العالم، ويلوح روحاني إلى الشباب الإيراني مذكراً إياهم بأن حروب الخارج التي يتظاهرون ضدها قد أتت ثمارها.

كل ذلك ليس مهماً، فهذه سياسة، وعالم جديد يتشكل على أرضية جديدة، والجميع يمارس الألعاب دفاعاً عن وجوده أو تحقيقاً لأهدافه، ما هو مهم من وجهة نظر عراقية شيء آخر يتعلق بجوهر الموقف العراقي من الأزمات الإقليمية، والعجز عن تبني استراتيجيات لما بعد تلك الأزمات.

من الكواليس الداخلية لحوارات أجراها مسؤولون أميركيون مع قيادات سياسية عراقية أخيراً، حول التعاطي مع العقوبات المزمع تفعيلها ضد إيران، يمكن الكشف عن طلب عراقي بمعاملة أميركية خاصة، تشبه تلك التي منحت للأردن إبان الحصار الاقتصادي الذي فُرض على العراق خلال التسعينات.

ويبدو هذا المطلب منطقياً، ومتوافقاً مع ظروف العراق الداخلية، وأبرز مقاربة له تتعلق بازمة التعاطي مع تسديدات أجور الكهرباء المستوردة من إيران، حيث لم تمنح الولايات المتحدة العراق أي منفذ لأسلوب تطبيق العقوبات المالية، فيما تصر طهران على وضع بغداد بموقف المجابهة المالية بديلاً منها، مع الأخذ في الحسبان أن العراق يعد سوقاً رئيسياً للصادرات الإيرانية، وأن نمط العلاقات الاقتصادية الذي مال دائماً لصالح طهران، لا يمكن تغييره بقرار مفاجئ، وأن الاقتصاد العراقي لا يمتلك الديناميكية الكافية لتحمل متغيرات مفاجئة.

ما يمكن كشفه أيضاً أن الولايات المتحدة ليست معنية بمنح العراق مثل هذه الأفضلية، كما لا يمتلك العراقيون دعماً دولياً كافياً يتم بناؤه على استراتيجيات رصينة، على غرار ما امتلكته المملكة الأردنية خلال فترة العقوبات الدولية على العراق في تسعينات القرن الماضي، مع الأخذ في الحسبان أن قرار العقوبات العراقية كان صدر في نطاق الفصل السابع، وبارادة دولية وبإجماع الدول الخمس الكبرى.

يبدو مربكاً وغريباً، أن القيادات العراقية التي ترتبط مع واشنطن باتفاقية استراتيجية طويلة الأمد، لا تمتلك عنصر الإقناع الكافي لمنحها استثناءات حول العقوبات الإيرانية، وأن واشنطن قد تمنح دولاً أخرى مثل هذا الاستثناء لتكون بمثابة المنفذ السياسي والاقتصادي لإيران في المرحلة المقبلة.

الكلام المتواتر أخيراً عن أدوار تقوم بها دول في المنطقة لتسوية العقوبات قبل تطبيقها، وعن الرسائل ذات المغزى التي أرسلها ترمب في الأيام المنصرمة إلى إيران، حول إمكانية قبول مثل هذه التسوية، ليس للسياسيين العراقيين أي دور فيه، وهم في الواقع غير مؤهلين للقيام بهذا الدور، ولا تريدهم طهران أن يقوموا بذلك، كما لا تثق واشنطن بهم.

جوهر القضية أن أي عاقل لا يمكن أن يتخيل تسوية إقليمية تشارك فيها بغداد، أو تدعى إليها، أو تكون مقراً لها، أو تعامل خلالها باعتبارها شريكاً للأطراف المختلفة، وليست غرفة من غرف السياسة الإيرانية.

بالطبع لا يمكن لسياسيين عراقيين مشغولين بتدبر مستقبل استثماراتهم الشخصية في الخارج، أن يسألوا أنفسهم عن السبب الذي يقف وراء رفض القيادات الإيرانية القاطع لمنح العراق دور الوسيط لعلاقات طهران مع واشنطن أو مع الخليج العربي، ولماذا تمنح هذا الدور لدول أخرى في المنطقة منها سلطنة عمان مثلاً؟.

الإجابة ليست صعبة كثيراً، وهي كما نزعم لا تتعلق بإيران ووهم «كلية القدرة» الذي يضفيه المتيمون بها على سياساتها وتأثيرها في القرار العراقي، بل يخص قدرة العراقيين على امتلاك قرارهم الداخلي، ابتداء من اختيار حكومتهم بعيداً عن نصائح «الحاج» و «الجنرال»، وليس انتهاء بتبني استراتيجية علاقات خارجية قائمة على المصالح والتوازن والتعاون الرصين الممتد مع دول الجوار والعالم.

عندما يكون قرار العراق داخلياً، ستمنح منطقة الشرق الأوسط برمتها فرصة الحصول على تسويات عادلة للأزمات، ويمنح العراق حقه الطبيعي الذي صاغته اعتبارات الجغرافيا والتاريخ والحضور الحضاري العميق، ليكون بوابة موثوق بها لقيادة تسويات من هذا النوع.
التعليقات