الخميس 16 شوّال 1445هـ 25 أبريل 2024
موقع كلمة الإخباري
حذار من "جني" الخرائط
2017 / 12 / 23
0

حمزة مصطفى
إذا كان لكل مثل قصة فإن الأهم من القصة العبرة. فالامثال نتاج مخيلة الشعوب وفي سياق احداث أو وقائع معينة. واستنادا لما تنطوي عليه من حيثيات فإنها يمكن ان تتحول الى انموذج يحتذى به أو يمكن أن تتحول الى امثولة يتعظ بها. ومن بين الامثال التي نتداولها باستمرار هو المثل السائر “لاتدوس على الجني وتكول اسم الله”. أود القول قبل الشروع في توظيف المثل لفحوى المقال التأكيد على أن هذا التعبير “الانموذج والامثولة” ماخوذ بالتصرف من الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه “أوهام القوة والنصر”. ففي سياق حديثه عن مقامرة رئيس النظام السابق الدكتاتورصدام في غزو الكويت العام 1990 كان قد أعلن أن العراق والجزائر كان يمكن لهما أن ينتقلا مع مطلع الثمانينات من القرن الماضي من دول العالم الثالث الى العالم الأول بنموذج جنوب أوروبا (ايطاليا واسبانيا). لكنهما وبسبب المغامرات السياسية والعسكرية تحولا في غضون عقد من السنوات من نموذج كان يمكن أن يحتذى به الى “إمثولة يتعظ بها”.
الطاغية صدام كان قد تحرش بالخريطة والخرائط ثابتة. استعان بالتاريخ والتاريخ متحرك. وبالتالي لاتوجد صعوبة في العبثيه. حرك صدام جيشه لاحتلال دولة بخريطة معترف بها ومنحها صفة المحافظة التاسع عشرة بجرة حماقة. سرعان ما سخرت مارغريت تاتشر من هذه القصة وتبعها بالسخرية جورج بوش الأب. لماذا سخرت تاتشر؟ لانها حفيدة مؤسس الخرائط الثابثة مارك سايكس وزميله الفرنسي بيكو. من السهولة العبث بالتاريخ.
فالمصداقية فيه تبقى وجهة نظر قابلة لكل الاحتمالات. لكن مشكلة التاريخ تكمن في إنه يصنع الجغرافية ولايدافع عنها. هي تدافع عن نفسها بضراوة. ليس أسهل من أن نؤلف مجلدات عن سيرة كل من مارك سايكس وزير خارجية بريطانيا وجورج بيكو وزيرخارجية فرنسا. ونقول عنهما وفيهما مالم يقله مالك في الخمرة. كلنا ضحايا من ضحاياهم حين قسموا دول المنطقة حسب مزاجهما. هذا المزاج الذي تحول الى جني ما أن تدوس عليه حتى تضظر أن تقول
“اسم الله”.
حين تنطق عبارة اسم الله سرعان ماتجد من يتشفى بك قائلا “اشجاريلك.. ليش أدوس على الجني وتصيح إسم الله”. هكذا فعل السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان في الشرق الأوسط ومثله فعل كارلس بوجديمون رئيس إقليم كتالونيا في أوروبا. تبدو المفارقة لافتة هنا. فعلى مدى مائة عام كنا نحن أبناء الشرق الأوسط نتهم الأوروبيين ممثلين ببريطانيا وفرنسا بأنهم هم من فرقنا على مستوى الخريطة بعد أن أكملنا مرافعاتنا امام التاريخ بأننا شعب واحد نريد وحدة “مايغلبها غلاب”.
وإذا كانت الجغرافية سخرت منا على مدى كل تلك العقود فإن سخريتها اليوم أكثر مرارة من بلد أوروبي يراد له أن يكون ضحية مجانية لنائج سايكس ـ بيكو. لا مجال للعبث بالخريطة. الرسالة وصلت بليغة من الشرق الأوسط الى أوروبا وبالعكس. سبحان مغير الأحوال و.. الخرائط إن شاء هو لا .. البارزاني أوبوجديمون.



التعليقات